تعديل

mardi 23 janvier 2018

الحياة البرية : الطريق نحو الانقراض



مع مرور الزمن أصبح المحراث عبئا على الفلاحين رغم وجود فيل وجمل باستطاعتهما جره، لكن أعياهم الزمن بفعل مرور السنين ، لذا كان من اللازم الاعتماد على آلة حديثة، فاهتدى الفلاحون في الأخير لشراء جرار أزرق اللون يسر الناظرين، وفي طريقهم إلى البادية مر وسط المدينة ليروع الساكنة بضوضائه نظرا لسرعته النفاثة، اقتلع بعض الورود، كما ألقى الجامعي بقرطاسه جانبا، وكذلك فعل التجار بقسطاسهم ليركبوا جنبا الى جنب مع الفلاحين.
أمام هذا الضجيج حلقت الحمامة عاليا تراقب الوضع من الأعالي، وعند اقتراب الجرار من الوصول الى الحقول المترامية، دهس حافلة على الطريق رغم سرعتها الضعيفة، كما عمل على هدم باب المزرعة، ليقتلع بعد ذلك أشجار الزيتون لأنها لم تعد منتجة، كما عبث بقفير النحل، أتى الجرار على الأخضر واليابس، لتموت الغزالة المهددة بالانقراض، لتمنع فقط شجرة نخل واحدة لكنها لم تعد بالانتاج الكافي. فقد اخطأتها سكة الجرار، بقيت الحمامة تائهة في الجو خصوصا مع ليلة ظلماء. 
في المساء أضاءت مصابيح المدن كاملة لتهتدي الحمامة على ضوئها والعودة لتحط على عمود كهربائي وسط المدينة، في حين الأحصنة فر ما تبقى منها الى الجبال الوعرة لتصبح بغالا، بعدما كانت تمرح في المروج والسهول.
أتى الجرار على الأخضر واليابس، اثناء عودته الى المدينة ليحط هناك، عين السائق لا تفارق الساعة المهترئة الموجودة على لوحته مسابقا الزمن قبل أن يحل الظلام، علقت عجلات الجرار في الوحل، وفقد مفتاحه في عتمة الظلام، لينقلب على حافة الطريق.
جاء الصيف بعد ربيع يشبه الخريف اصفرت السنابل تبشر بموسم فلاحي جيد، ظلت الحصادة في المدينة دون وظيفة فالجرار الذي تعتمد عليه لجرها، لم يبقى منه إلا الهيكل لتظل المحاصيل في الحقول. ونظرا للهدوء عادت الحمامة للبادية لتلتقط سنابل القمح من الحقول، وتحط فوق النخلة الوحيدة المتبقية لتستريح وفي المساء تعود للمدينة لإطعام فراخها فوق أعمدة الكهرباء لتستمتع بضوئها،
بذهابها وايابها من المدينة الى البادية تيقنت الأحصنة التي أصبحت بغالا أن الجرار لم يعد بالقرية ، فعادت إلى المروج والحقول لتأكل من خشاش الأرض وما تبقى من "الحصيدة " . كما أن زئير الأسود لم يعد يخيفها لأنها شاخت وأن الأسود بدورها لم تكن سوى أحصنة مثلها وخضعت لعملية التطور الجيني لوجود طفرة جينية.
في المدن لم يعد ساعي البريد ينقل الرسائل لأن الحياة تطورت أكثر وأصبح من يتعامل بها رمزا من رموز الرجعية، كذلك خفت ضوء المصابيح بعد أن مرض كبير الكهربائيين، وتخلى عنه أبناؤه لأنه أصبح عبئا عليهم لتصبح اعمدة الكهرباء مسكنا رسميا للحمام لتضع عشها فوقها من أغصان الورود الميتة بعد أن ضمنت قوتها من سنابل البادية وانقراض الديك الذي كان ينافسها هناك.
ولأن الربيع كان شبيها بالخريف، ذبلت الورود في شوارع المدن، باستثناء تلك المتواجدة أسفل الأعمدة الكهربائية وأشجار النخيل التي لاتثمر بقيت حية لاقتياتها على روث الحمامة المبلل، وقطرات الماء التي كانت تسقط من فم فراخها أثناء إطعامها.
طبعا التجار فقدوا ميزانهم التقليدي في عاشوراء بين مشيع وسني تبادلوا الرجم بكفاته "الصانجة". ليهتدوا في الأخير لشراء ميزان يعمل بشاحن كهربائي، لكنهم سيبقون دون عمل، إلى أن يتم انتقالهم واسيطانهم بالمدن لأن القرى دون كهرباء. وعليهم طرد الحمامة من فوق أعمدة الكهرباء لربط موازينهم معها، لكنه من الصعب عليه لأن الحمامة لم تعد كذلك بل أصبحت غرابا ورواية أخرى تقول أنه صقر عملاق .


 توقيع محمد الرياني

الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg