تعديل

jeudi 25 janvier 2018

رجالات قبيلة التسول: الفقيه التسولي.


1- اسمه:
هو علي بن عبد السلام بن علي السبراري الورطناجي التسولي نسبة إلى قرية (سبرارة) من مجموعة (بني ورطناج) بقبيلة (التسول)، وهي منطقة بدوية تابعة لإقليم تازة.
وقد عرف بنسبه في مؤلفاته، ففي مقدمة كتابه (البهجة في شرح التحفة) عرف نفسه باسم: علي بن عبد السلام التسولي، وفي آخر هذا الكتاب أضاف نسبته إلى قريته قائلا: (قال مقيد هذا الشرح المبارك علي بن عبد السلام التسولي السبراري)، كما عرفه واضع وثيقة تركته باسم: (علي بن عبد السلام السبراري الورطناجي التسولي)، فنسبه أولا إلى قريته، ثم إلى المجموعة التي تنتمي إليها هذه القرية، ثم إلى القبيلة التي تنضوي تحتها هذه المجموعة، يكنى بأبي الحسن، ويلقب بـ(مديدش)، ولا يزال أفراد عائلته بالبادية يحملون هذا اللقب وكذلك أحفاده بمدينة فاس.
2- أصله:
لا نعرف عن العائلة البدوية التي انحدر منها الفقيه شيئا ذا أهمية سوى أن أمة تنتمي إلى عائلة عرفت بميل إلى العلم، فقد ظهر فقهاء وقضاة، ولعلها أيضا تمتعت بشيء من اليسار، فقد روى لنا بعض الناس السنين الذين اتصلنا بهم بقرية (القلعة) – وهي القرية التي تنتمي إليها أم الفقيه – أن أسرة الفقيه انتقلت من قرية الأم، ولا يزال البيت الذي قطنته الأسرة قائما، كما أن الفقيه قد احتفظ لنا بصورة لفريضة أمه في أبيها، ويقول إن أباه كان قد رفع هذه الفريضة إلى فقيه فاسي لم يحسن قسمتها، وأنه بعد دراسته علم الفرائض استخرجها، وتمكن من حلها، وهذا يدل على الاهتمام الكبير الذي ظفر به حدث هذه الفريضة داخل أسرة الفقيه.
وكان الفقيه – حسب ما تشير إليه وثيقة تركته – رجلا عريضا مربوع القد كثيف الحاجبين، بوجهه استدارة واحمرار، وعليه أثر السجود.
3- حياته:
ولد التسولي بقرية (سبرارة) بمنطقة التسول، ولم تذكر المصادر التي ترجمت له – وهي قليلة – تاريخ ولادته، كما أنها لم تذكر من حياته ما ينير السبيل أمام الباحث، ولم نعثر في مؤلفاته على أية إشارة في هذا المجال رغم أنه يشير في بعض الأحيان خاصة به، ولا يستبعد أن يكون هذا التاريخ مجهولا لديه، فقد ولد بالبادية حيث ينعدم الاهتمام بمثل هذه الأمور.
وقد نشأ نشأته الأولى بالبادية وانتقل في تاريخ لا نعلمه إلى مدينة فاس قصد إتمام دراسته بجامع القرويين، ويبدو أنه كان مقيما بمدينة مكناس سنة 1218هـ، وأنه كان في هذا التاريخ قد قطع شوطا في دراسته الفقهية بدليل استعداده للاتصال بالقضايا الفقهية والاهتمام بها. ولا نعلم كم مكث بمدينة مكناس قبل أن يعود إلى مدينة فاس التي قضى فيها أكبر فترات حياته، واعتبر دارا له وقرارا، ونجده يستقبل بالفتوى بمدينة من حياته ويصفها بأيام الشباب. وفي سنة 1231هـ، نجد الفقيه يتصل بالسلطان مولاي سليمان، ويظهر أنه تمتع بشهرة فقهية لا يستهان بها في هذه المرحلة في حياته، لأنه كلف من طرف السلطان بإتمام شرح شامل بهرام، وقد حثه السلطان عبد الرحمن على إتمامه بعد وفاة السلطان سليمان.
ونجد علاقته بالسلطان عبد الرحمن مرة أخرى عندما كتب الفقيه فتواه التي أجاز فيها للسلطان قبول بيعة أهل الجزائر لما وفدوا عليه طالبين منه ذلك بفاس.
وإذا علمنا أن هذه الحادثة كانت سنة 1246هـ / 1831م، وأن الفقيه تقلد منصب قاضي الجماعة بفاس سنة 1247هـ، أدركنا أن تلك الفتوى كان لها دور كبير في تقريب الفقيه لدى السلطان، وبالتالي في تولية منصب قضاء الجماعة، وهو منصب له وزنه وأهميته.
ويبدو أن سيرته قد حمدت، وأحسن الناس الثناء عليه في هذا المنصب، ولم يعرف السبب الذي أعفي من أجله سنة 1250هـ / 1834م.
ونجده مرة أخرى قاضيا بتطوان، في نفس السنة التي أعفي فيها من قضاء فاس.
إلا أن الفقيه لم يستمر في منصبه طويلا، فقد أعفى سنة 1252هـ / 1836م، بسبب دسائس العامل الذي تضايق من نزاهته الريفية وورعه، وقد كلف الفقيه من طرف السلطان عبد الرحمن في السنة نفسها التي أعفي فيها من قضاء تطوان بالإجابة عن الأسئلة التي بعثها الأمير عبد القادر الجزائري، كما شارك في الإفتاء حول قضية إنشاء حمام لليهود بمدينة فاس.
وبعد هذا التاريخ لا نعثر على أي حدث بارز في حياته حسب المصادر التي بين أيدينا، ومن الراجح أنه لم يتقلد أي منصب آخر.
وقد اشتغل الفقيه بالتدريس بجامع القرويين بفاس وبالجامع الكبير بتطوان.
وقد كان يرتزق من التجارة في السلاح ومن العمل الفلاحي حيث إن صلته بأرضه في البادية لم تنقطع، ويبدو أن اهتمامه بالأمور المادية لم يكن كبيرا رغم وجوده في مدينة اشتهر أهلها بحب المال والحرص عليه، فقد كان الرجل مشتغل القلب بحب العلم، زاهدا في غيره من أمور الدنيا، ولم يترك بعد مماته إلا منزلا واحدا كان يسكنه، وخزانة كتبه وضعها قبل موته بخزانة القرويين مما يدل على أنه لم يكن من أبنائه من يرث عنه اهتماماته العلمية.
4- أخلاقه:
اتفقت جميع المراجع التي ترجمت للتسولي على وصفه بالفضل والتقوى والورع والزهد، يقول فيه صاحب السلوة: (كان موصوفا بالخير والذين والزهد والورع واليقين) وقد شهد له بذلك السلطان عبد الرحمن العلوي في رسالة من رسائله إلى عامل تطوان بقوله: "فقد أصبت الصواب، إذ أن تعظيم أهل العلم واجب فأحرى هذا الفقيه، وما هو عليه من متانة الدين والعفاف". ولذلك، كان شديد الانتقاد لمجتمعه، كثير الإلحاح في إصدار أحكامه على الناس من حوله كلما سنحت الفرصة لذلك في كتاباته الفقهية، فقضاة زمانه في نظره جهلة وظالمون وصوليون، والحكام متهاونون غافلون، والناس بصفة عامة محمولون على الفساد وعدم الأمانة وسوء النوايا، ولعل أخلاقه أيضا هي التي حالت بينه وبين الحفاظ على وظائفه لما تحتاجه هذه الوظائف من تملق وخضوع ومداراة. وقد رأينا موقفه مع عامل تطوان وكيف كان هذا الموقف سببا في إعفائه من مهمته القضائية.
ومما يدل على إبائه وحرصه على الحفاظ على كرامته ما نقل عنه من أنه "كان إذا دعاه إنسان لوليمة نائبا عن غيره يقول له: هل قال لك صاحب الوليمة: ادع التسولي وعينني أم لا؟ فإن قال له: عينك، ذهب لها، وإن قال له ادع العلماء، لم يذهب".
وقد كان لهذه الصفات تأثير على سلوك الفقيه الاجتماعي، فكان ميالا إلى العزلة والانزواء عن الناس في وقت فراغه، إلا أن هذا لم يمنعه من المشاركة الفعالة في الحياة الاجتماعية كتعاطيه مهنة التدريس، واشتغاله بالتجارة، كما لم يمنعه من الإحساس بأحداث عصره ومعايشتها خصوصا بالنسبة لمأساة احتلال الجزائر ولجوء الجزائريين إلى المغرب. فَمِمَّا يحكى عنه أنه "قرع باب داره بعض أهل تلمسان لما جاؤوا لفاس فارين من العدو الكافر، فخرجت بنت صغيرة فناولها مالا، ثم وجد في ذلك اليوم يشتري طعاما خشنا". وإن دلت هذه الحكاية على شيء فإنما تدل على إحساس الفقيه بحجم مأساة الإخوة الجزائريين ومساهمته مساهمة شخصية في مديد المعونة لهم.
5- شيوخه وتلاميذه:
إن المصادر لم تسعنا بلائحة كاملة لأولئك الشيوخ الذين أخذ عنهم الفقيه، إلا أنها اهتمت بشيخين كبيرين من شيوخه هما:
الأول: الشيخ محمد بن إبراهيم الدكالي، وقد ذكرت المصادر أنه عمدة الفقيه التسولي في الفقه، وأنه كان يلازمه ملازمة الظل للشخص، فكان يأتيه عند صلاة الصبح ولا يذهب إلا في صلاة العشاء، والفقيه يذكره في مؤلفاته بإعظام وتقدير، وقد كان كثيرا ما يحثه على البحث في آثار الأئمة الأوائل والإعراض عن حواشي المتأخرين وشروحهم.
الثاني: الشيخ حمدون بن الحاج المشهور بتضلعه في التفسير والشعر والتصوف، ولعله هو صاحب الفضل في ميل الفقيه إلى العودة لنصوص الكتاب والسنة، والاهتمام بها في مؤلفاته.
6- مميزات ثقافته:
تتسم ثقافة الفقيه التسولي بسمات نلمسها في مؤلفاته، ويمكن أن نحصر هذه السمات أو المميزات فيما يلي:
أ- عودته إلى الكتاب والسمة ومؤلفات الأقدمين:
فقد عاش فترة تكوينه تيارين مختلفين:
تيار تجديدي يعود إلى عهد السلطان محمد بن عبد الله الذي أصدر مرسوما دعا فيه إلى العودة إلى نصوص الكتاب والسنة واعتماد كتب الأقدمين. ومع أنه لم يشهد ذلك التجديد الذي لم يكتب له الاستمرار، إلا أنه تتلمذ على شيوخ شهدوه وتأثروا به كالشيخ حمدون بن الحاج والشيخ محمد بن إبراهيم الدكالي.
وتيار آخر يتمثل في الاهتمام بدراسة المختصرات والشروح، وهو تيار الأغلبية، سواء في عصر الفقيه أو قبله.
وإذا كان التسولي يبدو أشد ميلا وتأثرا بالتيار التجديدي الأول، إلا أنه لم تنعدم لديه سمات من التيار الثاني، ومن هنا جاءت بعض مؤلفاته تنتمي إلى التيار الثاني في شكلها من حيث كونها شروحا وحواشي، ولك مضمونها يعتنق التيار الأول من حيث العودة إلى الكتاب والسنة واعتماد كتب الأقدمين.
ب- خبرته بالهيئة الاجتماعية:
ففي جميع مؤلفاته نلمس خبرة واسعة بالقضايا التي يتناولها حيث ينطلق من واقع الناس وظروفهم وما تعارفوا عليه من عادات وتقاليد. ومما أثرى هذه الخبرة لديه تعاطيه الإفتاء والقضاء، وهو وظائف أتاحت له مواجهة مشاكل الناس والاطلاع على ظروفهم.
ج- سعة الإطلاع:
كان الفقيه شغوفا بالمطالعة شغفا عرف به بين معارفه، فقد ذكر بعض الباحثين أنه قرأ معيار الونشريسي اثنتي عشرة مرة، كما أن وصيته بأن تضم خزانته لخزانة القرويين تدل على قيمة ما كان يقتنيه من كتب، وقد أكسبه شغفه بالقراءة اطلاعا واسعا نلمسه في كل مؤلفاته خصوصا في كتابه (البهجة) الغني بآراء المتقدمين والمتأخرين.
د- اتساع الأفق:
وقد أكسبه اهتمامه بالمنابع الصافية للفقه الإسلامي المتمثلة في الكتاب والسنة ومؤلفات الأئمة الأولين سعة أفق قلما نجدها عند معاصريه، وهذه السعة في الأفق وبعد النظر هي التي أملت عليه موقفه عندما أفتى بقبول بيعة الجزائريين للملك المغربي، وهي التي هيأته لاحتضان الاتجاه الجديد المتمثل في الدعوة إلى الإصلاح بعد احتلال الجزائر، وهي التي جعلت أحكامه تتحرك مع المصلحة العامة في مرونة ويسر، ولن نكون مبالغين إذا قلنا إن الفقيه التسولي يعتبر خير من تمثل المصلحة عند المالكية من المغاربة في عصره.
ه- آثاره العلمية:
"النوازل" وتقع في ستة أجزاء، والنوازل جمع نازلة وهي القضية التي تتطلب حكما شرعيا للفصل فيها، ويسمى الفقيه الذي يتصدر لله عطاء رأيه في النوازل بالمفتي، ويسمى الحكم الذي يصدره في النازلة بالفتوى، وقد تجمع هذه الفتاوى في مؤلف ويطلق عليها (النوازل) كما يطلق على المفتي "النوازلي"
وقد كان الفقيه التسولي مفتيا مما أتاح له الاتصال بقضايا كثيرة والإفتاء فيها وقد جمع فتاويه مع فتاوى أخرى في مجموع يعرف في الخزانة المغربية باسم: "نوازل التسولي".
كتاب البهجة في شرح التحفة وهو يعتبر عمدة في مذهب مالك.
7- وفاته:
وقد كانت وفاته رحمه الله صبيحة يوم السبت خامس عشر من شوال عام 1258هـ / 1842م، بمدينة فاس ودفن بها، ولا يستبعد أن يكون قد توفي في سن الستين أو أكثر بقليل، لأنه ينقل لنا حادثة فقيهة سنة 1218هـ / 1803م، مما يدل على أنه كان في هذه السنة قد اكتسب روح الاهتمام بالقضايا الفقهية، فإذا افترضنا أنه كان فوق العشرين بقليل ودون الثلاثين لأنه سيصبح مفتيا سنة 1230هـ / 1814م، وقد وصف هذه الفترة من حياته بسن الشبيبة كما تقدم، فسيكون دون الأربعين بلا شك، وسيكون سنة 1258هـ / 1842م – وهي سنة وفاته – في الستين من عمره ودون السبعين، كما أنه قد توفي بعد إتمامه كتابه (البهجة) بسنتين فقط، أي أنه لم يكن قد بلغ عمرا يعجزه عن التأليف.
عن مقال للأستاذ الحسن اليوبي، نشر بمجلة دعوة الحق العدد 297 شوال-ذو القعدة-ذو الحجة 1413/ أبريل-ماي-يونيو 1993م. بتصرف.
وعلى المودة نلتقي.


توقيع أحمد لزعر التسولي

الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg