بسم الله الرحمن الرحيم
مجمع
الصلاّح بتازة.
تنتشر ظاهرة الأولياء الصالحين ومجامعهم الطيبة
بكثرة في بلدان المغرب العربي ، بل إن المغرب يعد من البلدان المعروفة بهذه
المجامع فقد ذاع صيت رجاله الصالحين ومقاماتهم حتى أصبحت لهم مواسم تذكر بذكرهم ،
وتعرف باسمهم .
والوليّ
الصّالح هو إنسان صالح وهب حياته للعلم
والدّين و فعل الخير، زهد في الحياة وملذاتها ، ونصب لنفسه مقامات وأوراد من الذكر
والعبادة ، يتقرب بها إلى الله عزوجل ، ويعلّم من خلالها تلامذته وأتباعه ، الذين
وقفوا ببابه يسترشدون بمعارفه ، ويتنوّرون بأزهار ذكره ، فتصفو قلوبهم وتنقى
أفئدتهم ، فالطبقة العليا من المؤمنين بعد الأنبياء بالنسبة إلى البشر و الجن هم الأولياء ثم سائر المؤمنين.
ومن المدن المغربية التي اشتهرت بمجامعها وأضرحة
أولياءها مدينة تازة ، فمدينة تازة مدينة عريقة ، هذه العراقة تستمدها من
التاريخ الطويل الذي تختزله أسوارها ومعالمها ، كما تستمده من أفواج العابرين الذين
أغراهم هواءها وماءها بالمكوث والاستيطان والاستظلال بظلالها .
فهذه المدينة
– وكما يحكي التاريخ الشفاهي والكتابي – عرفت نزول عدد من الصالحين والأولياء
والزهاد والمتصوفة الذين بصموا تاريخها بمجامعهم الصالحة التي جمعت الخلّص من
التابعين والمريدين ، كما بصموا حياة سكانها بالطيبوبة والأخلاق الكريمة التي
زرعوها في أفئدة التلاميذ ;والمتعلمين ، وأعتقد – والله أعلم – أن السبب الرئيس في
رغبة عدد من الرجال في النزول والمكوث بهذه المدينة ، ترجع إلى بركة مجامع الصلاح
ومنازل الفلاح التي نوّرت مساجد وزوايا هذه المدينة ، فسرت بركتها سريان الماء في
العود الأخضر في قلوب الناس ، تنقي الروح وتطهّر البدن وتدعو الفؤاد إلى التساؤل
والتأمل ومراجعة الذات .
ذلك أن الولي الصالح بركته في الدنيا تقوم على أنه
مجاب الدعوة وفي
كتب الزهاد والمتصوفة العديد من القضايا المرتبطة بهذا الجانب ، لأن الإخلاص في الطاعة والإكثار من النوافل
يقرب العبد من ربه ويدنيه منه ، فيجعل له حظوة بين عباده .
ومن بين المساجد التي عرفت هذا النوع من المجامع ،
نذكر ذلك المسجد الصغير الأثري الذي يقع بجماعة الربع الفوقي ، ويبعد
بحوالي 11 كلم عن أربعاء بني لنت .
فهذا المسجد يوجد على أعلى مرتفع ويشرف على آفاق
شاسعة من كل جانب حوله ثلاث مسايد لجلوس منتظر الصلاة .
ويرجع أصل تسمية هذا المجمع ب" مجمع الصلاح
" ، لتلك المرأة المتصوفة الصالحة الغير متزوجة التي عرفت ب" أمّ الصلاح
" ، فقد جمعت حولها أربعة وأربعين
رجلا صالحا من الزهاد تعلمهم القرآن والفقه والزهد ،استجدت بهم عن حياة اللهو واللعب لتستبدلها بحياة الذكر والعلم والطاعة ، ولما
توفيت بعد أن قضى الله أجله دفنت بجوار المسجد محل المجمع ، تحقيقا لذكراها ورغبة
في إيصال الأجيال بذكرى المرأة التي وجدت في مجالس وحلقات الذكر بيلا عن الحياة
الأخرى .
وقد أسس هذا المجمع بدءا على منهج العبادة ولقاءات
الصدقات المقامة لقراءة القرآن والذكر والدعاء وطلب الاستسقاء عند انحباس المطر عن
المنطقة .
وقد بقي هذا المجمع على حاله بعد وفاة " أم
الصلاح " يجتمع به سكان المنطقة خاصة بالمسجد في المناسبات الدينية يتبركون
ويذبحون صدقة للمحتاجين ، ويحيون ذكرى المرأة الصالحة التي أسست المجمع .
وقد توقف هذا الموسم منذ أربعين سنة نظرا لوعورة
المسالك ، فطريقه غير معبدة ، في حين بقيت
زيارات التبرك يقصده إليها بعض العارفين بكرامات هذه المرأة التي اجتمع حولها عدد
لا بأس به من رجالات الصلاح والزهد والتصوف .
وإذا كان
هذا المجمع معروف بالمنطقة بين خاصة سكان الناحية ، فإنه يظل مجهولا عند البعض
الآخر ، على غرار مجامع أخرى بهذه المدينة ، مما يستدعي تكثيف الجهود لخلق مبادرة
تعمل على التعريف بهذه المجامع ، وتقوم على دراسة خصوصية كل منطقة في هذا الجانب ،
حفاظا على الهوية الحضارية والدينية والتاريخية للمدينة .
والحمد لله رب العالمين
الأستاذ عبد الكريم بناني.
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire