تعديل

lundi 22 janvier 2018

عادات تسولية.

بعض الأعراف بقبيلة التسول:
ذكر العرف بهذا اللفظ مرة واحدة في القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى"خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" (الآية 199 من سورة الأعراف)، كما ذكر بدلالته وأقصد كلمة معروف التي تتكرر في عدة مواضع من الكتاب العزيز وإن اختلف المفسرون في المقصود منها، إلا أنني أميل في بعض المواضع إلى ربطها بالعرف كما في قوله تعالى متحدثا عن الوصاية على اليتيم "ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف" (النساء آية 6). فمعروف هنا تحيل على إباحة الأكل من مال اليتيم بما هو متعارف عليه بين الناس وذلك لا يجوز مثلا أن يبيع الوصي جزءا من مال اليتيم ليشتري به طعاما باهض الثمن وغير معروف في تلك البلاد. ومنها أيضا قوله تعالى في كيفية معاملة النساء "فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) فالإمساك أو السراح هنا بما هو متعارف عليه بين الناس (طبعا في توافق مع روح الشرع) وذلك لاختلافهم في الغنى والفقر والخوف والأمن.....
وننتقل للتعريف ببعض الأعراف التسولية:
أعراف الأفراح:                                                
ترتبط الأفراح التسولية ببعض الأعراف التي تكتسي طابع الإلزامية ويتحمل الناكث بها تبعات فعله منها:
الطاجين: وهي من أجمل الأعراف المنقرضة للأسف وأفضلها، وتعني أن يقوم جار أو جارين أو ثلاتة وأحيانا أربعة بإعفاء أهل العريس من تحضير وجبة العشاء حيث يتكفل كل واحد منهم بإطعام أربعين أو خمسين مدعوا، وفي بعض الأعراس لا يجد والد العريس من يأكل معه من الرجال فيضطر للحاق بضيوفه. وقد كان صاحب العرس يختار هؤلاء المساهمين معه بصفة فردية وبعد أن يأخذ موافقتهم يتم الإعلان عنهم في اجتماع بالمسجد إما بعد صلاة مفروضة أو بعد وليمة بسيطة يصنعها لأهل الدوار  ويعتبر هذا الإعلان إلزاما للمتطوعين ولا يمكنهم التنصل منه أبدا إلا بوفاة طارئة أو جائحة قاضية، لأن الإخلال بالاتزام يوقع صاحب العرس في حرج وضيق لم يكن مرتبا له قبلا. وفي بعض الأحيان لا يقوم صاحب العرس بمهمة البحث عن متطوعين بل هم من يبادرون بالتفضل ويقترحون عدد المدعوين الذين سيتكفلون بإطعامهم.
الهدية: ويحيل اسمها عن مساهمة مالية أو عينية تقدم لصاحب العرس وغالبا ما تكون عبارة عن كبش أقرن وكيس من قمح وكيس من قوالب السكر، أما توقيتها فيكون صباح أو زوال يوم العرس ويحضر تقديمها كل المدعوين فيما يشبه قضية إشهاد جماعي، وتكتمل طقوس الهدية ب"الحنة أو الهنا" وهو الوقت الذي ينتظره والد العريس بفارغ الصبر حيث يستطيع من خلاله استرجاع بعض المصاريف عبر تنافس المدعوين على تقديم الأوراق النقدية بنفس طقوس الإشهاد ولكن عبر رفع الصوت أو ما يسمى ب"التبراح" فيقول "البراح" ذاكرا اسم المهدي ونوع هديته ومبلغ "الهنا" : الله مع فلان، من هنا حتى لفاس أو للرباط أو  (يذكر مدينة أو قرية الرجل)، الله يكثر خيرو ويخلف عليه، آلحنة عشرين ألف ريال وحولي وخنشة دلقمح وخنشة دالسكر، والزغاريت عليه. فتبادر النساء بالزغاريد كمكافأة له على كرمه وجوده، وكلما كان المبلغ كبيرا إلا وطال وقت الزغاريد وتنوع.
وتجدر الإشارة إلى أن هذين العرفين بالتحديد تلزمان صاحب العرس بردهما أو بالاجتهاد في رد أفضل منهما، وفي المثل (الهدية مزية، وإلى طاحث فالرجال أيردوها مثنية "أي ضعفين")، فإن خالف هذا العرف يتم إجباره من طرف القبيلة أو الحاكم أو القضاء على رد ما تم منحه له، "وقد عشت مثالا على ذلك في القبيلة"، ومن أول وهلة يتبين أن هذا الأمر "التقاضي" يخالف الروح الدينية التي تجعل الهدية أمرا تطوعيا ومحبوبا ومندوبا إليه ولا يستدعي رده، إلا أن المتمعن في الحديث "تهادوا تحابوا" أو في الخبر المعروف عن الرسول الكريم من أنه "كان يقبل الهدية ويثيب عليها" يخرج بخلاصة مفادها وجوب رد الهدية فقوله عليه السلام "تهادوا" يفيد تبادل الهدايا وليس قبولها فقط، وقد قرر ذلك بفعله حيث كان يثيب على الهدية أي يردها بأفضل منها.
 الكسوة: وهو عرف مرتبط بالأعراس بشكل من الأشكال، حيث يقضي بأن يشتري كل واحد خرجت عنده عروس أول مرة من بيتها إلى بيته إما لمناسبة أو لزيارة، ثوبا أو كسوة جديدة ويكتسي هذا الفعل طابع الإلزامية، فإذا لم يقم المضيف به عيره سكان الدوار بالبخل وظلوا يلمزونه طويلا بالكنايات، ويصل الأمر بأن يمنع أصحاب البيوت عرائسهم الجديدات بالذهاب عنده لأول مرة، ولذلك فإن الأذكياء منهم يختارون أول من تذهب عنده عروسهم من الناس الكرماء الأجواد الأغنياء.
أعراف المآثم.
         وكما تتميز أفراح قبيلة التسول ببعض الأعراف، لا تخلو مآثمها منها أيضا، ولعل أشهر عرف مأثمي هو "الكصعة" أو القصعة بالتعبير العامي، وهو لفظ يطلق لى الخاص ويقصد به العام، بمعنى أنه يدل على إناء خزفي مقعر معروف ولكن يراد به وليمة العزاء حيث يتكفل ثلاثة من سكان الدوار بتجهيز ثلاث ولائم لأهل الميت، الأولى يوم الوفاة، والثانية في اليةم الثالث بعد الموت، والثالثة في اليوم السابع الذي يطلق عليه في القبيلة "سابع القبور"، ولهذا العرف مرجع ديني يستند إلى قوله عليه الصلاة والسلام لأهله حين بلغه نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: "اصنعوا لآل جعفر طعامًا فقد أتاهم ما يشغلهم" رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، قال ابن قدامة- رحمه الله تعالى: (وجملته أنه يستحب إصلاح طعام لأهل الميت يبعث به إليهم إعانة لهم وجبرا لقلوبهم، فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم).
أما الأكلة المشهورة في الكصعة فهي الكسكس بلحم الغنم مع البصل والزبيب لا يستغني عنها المولم وله أن يضيف إليها ما شاء حسب الاستطاعة. وهذا العرف يكتسي طابع الإلزامية كذلك رغم كونه عملا تطوعيا لا يحتاج لإشهاد أو طلب كما في الطاجين، ويكون المستفيد منه ملزما بإرجاع مثله في حالة وفاة أحد المتطوعين أو أحد أقربائهم.

أعراف اجتماعية عامة.
احترام المرأة: تعتبر المرأة في المجتمع البدوي شخصا مقدسا اجتماعيا لا يجوز الحديث عنها أو ذكر اسمها أصلا، وإنما يكنى عنها ب "مولاة الدار" وإلى عهد قريب كان مجرد ذكر اسم الزوجة في محفل معين سببا لنشوب صراع قوي يصل لحد التشابك بالأيدي، ويمنع منعا كليا ذكرها بسوء أثناء جلسات المزاح أو ما يسمى ب "القرنابي" وإذا ما أخطأ أحدهم وخالف هذا العرف ولو عن طريق الخطأ، فإنه يكون ملزما بالانصياع لحكم الجماعة التي غالبا ما تحكم عليه بذبح خروف وتحضير وليمة لرجال الدوار يجتمعون عليها في المسجد.
تكريم الخيل: تحضى الفرس وقبلها الحصان بتقدير واحترام خاصين في القبيلة حيث يعمد مالكهما إلى إحاطتهما بالعناية والرفق، وإذا كانت الفرس حاملا يتم حجبها عن أعين الناس شهرا قبل الولادة وعشرين يوما بعدها، ويكون ملزما بذبح عقيقة مع تسميت الفرس الصغيرة أو الجواد، فإن لم يفعل فإن هذا النتاج يموت حتما، ومن مظاهر تكريم الفرس مثلا أن تجد الفلاحين يضعونها في طرف البهائم أثناء عملية درس الحبوب، وذلك لخفتها ورشاقتها وقوة حضورها في المجموعة، فهي سريعة مقدامة قائدة ومحفزة لمجموعتها، وهي عميد الفريق وعماده، تسحبه ولاتترك له لحظة للتهاون والتثاقل، ولا  يمكن إدراج الفرس في الوسط مطلقا إلا إذا كانت فرسا صغيرة تفتقد للتجربة ففي هذه الحالة يتم ترويضها بهذه الطريقة، ويعتبر وضع الفرس في الوسط إهانة لها، لأن عموم الفلاحين وسكان البادية يطلقون عليها اسم "الدم الكبير" ولعل الاحترام الذي يكنه هؤلاء للخيل يرجع لمكانتها في الإسلام ومدى بلائها في الحروب إضافة إلى حديث الرسول الكريم "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"، ولذلك يمنع إلى حد التحريم عندنا في البادية ركوب اثنين على ظهر الفرس أو وضع "البردعة" على ظهرها، أو وضع "الصريمة" في فمها، أو إهانتها بأي شكل من الأشكال، ويبدو أن الفرس تعرف بفطرتها الحيوانية قيمتها لدى مالكيها ولذلك تجدها عرضة للإصابة بمرض "النغلة" وهو مرض له علاقة بالدلال ــــــــــ إن صح التعبير ــــــــــ ويصيب الفرس حين ترى علفا ولا يتم إطعامها منه، ولتفادي ذلك يقوم الفلاح بإعطائها ولو حفنة صغيرة من العلف الذي هو مخصص في الأصل لغيرها، ويتم معالجتها من هذا المرض عبر حرق براز الدجاج وإجبارها على شم رائحته.

توقيع: أحمد لزعر التسولي.


الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg