تعديل

dimanche 21 janvier 2018

الدراس في قبيلة التسول

قراءة في التراث الشفهي لإقليم تازة: قبيلة التسول نموذجا.
الجزء الثالث.
 
بقلم أحمد لزعر
سنتحدث في هذا الجزء عن عملية الدراس، وهي عملية تأتي بعد الانتهاء من الحصاد والتنقال (التنقال هي نقل المحصول من الحقل للنادر(1) ــ البيدر ــ على ظهور الدواب، ثم جمعه في ركام على شكل مكعب يسمى "تافة")، وتبدأ عملية الدراس بتعليف البغال والفرس ــ إن وجدت ــ بعيد الضحى بقليل، ثم اقتيادها إلى النادر وربط أعناقها بالقنب على شكل سلسلة (أقل عدد للقيام بالدراس هو دابتين ويمكن أن يرتفع لخمس وأحيانا ست حسب مساحة النادر) وتوضع الفرس دائما في طرف المجموعة (لا يمكن إدراج الفرس في الوسط إلا إذا كانت فرسا صغيرة تفتقد للتجربة ففي هذه الحالة يتم ترويضها بهذه الطريقة، ويعتبر وضع الفرس في الوسط إهانة لها، لأن عموم الفلاحين وسكان البادية يطلقون عليها اسم "الدم الكبير" ولعل الاحترام الذي يكنه هؤلاء للخيل يرجع لمكانتها في الإسلام ومدى بلائها في الحروب إضافة إلى حديث الرسول الكريم "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"، ولذلك يمنع إلى حد التحريم عندنا في البادية ركوب اثنين على ظهر الفرس أو وضع "البردعة" على ظهرها، أو وضع "الصريمة" في فمها، أو إهانتها بأي شكل من الأشكال، ويبدو أن الفرس تعرف بفطرتها الحيوانية قيمتها لدى مالكيها ولذلك تجدها عرضة للإصابة بمرض "النغلة" وهو مرض له علاقة بالدلال ــ إن صح التعبير ــ ويصيب الفرس حين ترى علفا ولا يتم إطعامها منه، ولتفادي ذلك يقوم الفلاح بإعطائها ولو حفنة صغيرة من العلف الذي هو مخصص في الأصل لغيرها، ويتم معالجتها من هذا المرض عبر حرق براز الدجاج وإجبارها على شم رائحته) (2)، ويبدأ الفلاح عملية الدراس بهذه العبارة:
الصلاة والسلام عليك يا حبيبي يا رسول الله (يكررها ثلاثا).
اليهود والنصارى خزاهم الله.
الله يلعنك يا الكافر بالله.
وكل كافر يموت على كفره.
والشيطان الله ينعلو (3) ويخزيه.
ويضعفو ويشقيه.
ويزيدو لباب جهنم وينكيه (4).
نبينا تربح يا من صليت عليه.
وا دخلوها بالزكا والبركة.
والصلاة والسلام على مولاي محمد الحبيب.
 
الشاو الشاو.
وحين تسمع البهائم هذه العبارة "الشاو" تبدأ في الركض بشكل تصاعدي، ويقوم المتحكم في نواصيها بترديد مجموعة من العبارات المسجوعة التي تحفز الدواب وتبعث شحنة من النشاط في الفلاحين ومن هذه الجمل:
واهريوها وبريوها (5)، وإلى جات شي حلوة نشريوها، ولمولاي محمد نهديوها.
وا دوحي (6) ألالة دوحي باش تروحي.
وا الهريس والدريس، كل خلفة بتليس (7)، وكل تليس تليس، البركة دالله ومولاي دريس.
وا الهريس والدريس، الله ينعلك يا يبليس النحيس.
وا سيادي ومواليا، الخبز والبرانيا،(8) طيب ورا ليا.
وطبعا لا يمكن ترك المجموعة تدور في اتجاه واحد لمدة طويلة، ولذلك يجب قلب الاتجاه بين الفينة والأخرى لإراحة الدابة الموجودة في الطرف، ولإنجاز بهذه العملية يكفي أن يقول السائس هذه عبارة "أرى عادة" لتقوم الدواب بالوقوف ثم قلب الاتجاه بشكل آلي، ولإضافة مزيد من الموسيقية على عملية التغيير يصيح الفلاح بأعلى صوته:
أرى عادة، والكرموص بالكلادة، وضرب أجعادة، (9) بالجوج والثلاثة.
أو يقول:
أرى عيد عليه والبركة بين يديه، والشيطان الله ينعلو ويخزيه.
بعد أن تطيح الدرسة، يتم تخفيف السرعة، ويكتفي السائس بين الفينة والأخرى بحث الدواب على الهرولة البسيطة أو ما كان جدي رحمه الله يسميه "بوكا بوكا"، أي رويدا رويدا. وذلك لتقوم الحوافر بإحكام دوس السنابل وخاصة سنابل القمح الصلب (مثل الأبيض ولاساية وكريفلة والمعزوزية) (10) التي تنزلق برشاقة بالغة خارج "الدرسة".
وبعد انتهاء هذه العملية تبدأ عملية التصفية وذلك عبر رفع التبن المختلط بالحب "بالمدراة" (11).
 
وقلبه قليلا في اتجاه الريح التي تدفع التبن الخفيف إلى الأمام في حين تسقط الحبوب في مكانها، وبعد عزل الحبوب يتم الانتقال إلى مرحلة التصفية "باللوح" و"الغرابة"، (12) قبل الاستعانة بالغربال الذي يزيل ما تبقى من الشوائب.

إحالات:
(11)
هناك بعض الطقوس المرتبطة بالنادر ومنها منع الدخول إليها بالأحذية، أو بالسراويل القصيرة، ومنع التفوه بالكلام الفاحش داخلها، وهي بالمجمل تعادل المسجد في المكانة، ولذلك يطلق عليها الفلاحون لفظ الجامع.
(22)
تحدثت عن الفرس الأنثى أما الذكر فلا يقوم بأي عمل أصلا ولا يتم تسخيره إلا للتباهي والزينة في الحفلات الخاصة أو العامة.
(3)
حكيت الكلمة كما هي والأصل: يلعنو.
(4)
ينكيه أي يدفعه.
(5)
هريوها بمعنى اجعلوها لينة، وبريوها تعني اعزلوا الحبوب عن التبن.
(6)
دوحي أي أسرعي.
(7)
التليس وعاء كان يستعمل لتخزين الحبوب، يشبه "الطنة" إلى حد ما.
(8)
البرانية هي الباذنجان.
(9)
اجعادة ليس إنسانا بعينه ولكن جيء به لإقامة الوزن.
(10)
هذه أصناف قاربت على الانقراض مع الأسف الشديد وهي أحسن وأجود أنواع القمح على الإطلاق، لكنها تتطلب وقتا طويلا شيئا ما وأمطارا أكثر. وقد تم تعويضها بأنواع هجينة مثل: مرزاق وكريم وغريهما. 
(11)
المدراة أداة مكونة من أربعة أصابع في أصلها ثقب يتم التحكم فيها بعصا خشبية وتستعمل لدفع الزرع إلى داخل النادر لتدوسه الدواب بحوافرها. وتجدر الإشارة إلى أن لفظ المدراة كان يطلق في الجاهلية على المشط، قال المرار بن المنقذ وهو أحد شعراء المفضليات:
وهوى القلب الذي أعجبه **** صورة أحسن من لاث الخمر
راقه منها بياض ناصــــع **** يؤنق العين وضاف مسبــكر
تهلك المدراة في أفنــــانه **** فـــــــــإذا ما أرسلته ينعــــفر

(12) الغرابة عبارة عن عشب رطب وطويل يتم استعماله لإزالة الشوائب عن الحبوب وتتطلب مهارة خاصة وخفة يد عجيبة وصبر وقوة تحمل خاصة بالنسبة لطوال القامة أمثالي.

الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

2 commentaires:

مشكور سيدي احمد لزعر

تبارك الله على سي احمد

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg