تعديل

lundi 26 février 2018

جدي والكور



ذات يوم أرسلتني جدتي رحمها الله لأحضر "الكورة" من بيت عمي لحسن تغمده الله برحمته، لم أكن أعرف المعنى الحقيقي للكورة سوى أنها نوع من أنواع المهاريز (1) أسطوانية الشكل يبلغ طولها حوالي 30 سنتيمترا وقطرها حوالي 10 سنتيمات تستعمل لدق الحبوب الرقيقة من التوابل كالإبزار والكمون والسمسم (الزنجلان) ليسهل السيطرة عليها في مجال ضيق، وبقي هذا المعنى راسخا في ذهني لوهلة من الزمن حتى جالست ذات يوم عمي لحسن رحمه الله فحكى لي قصة الكورة ولماذا سميت بهذا الاسم أصلا، قال لي تغمده الله برحمته: كان جدك لزعر بومعاز (يعني أباه) جالسا خلف بيته فلاحظ طائرة فرنسية قادمة من ناحية بني لنت وهي تحلق على ارتفاع منخفض جدا فما كان منه إلا أن أخذ بندقيته (الكلاطة) وتحين فرصة اقترابها من مجال رميه وأطلق رصاصة عليها. يقول رحمه الله فاخترقت الرصاصة أسفل الطائرة وأصابت الربان المسؤول في صدره فبقي جدي ينظر إلى الطائرة وهي تترنح يمينا وشمالا حتى غابت عن ناظريه، فما كان من الربان المساعد إلا أن يقفز بمظلته تاركا صديقه الميت يسقط بالطائرة في الحدود مع غياثة قرب وادي أمليل، فلما وصلت الأخبار إلى جدي لزعر رحمه الله أخذ نساء وأطفال الدوار إلى مكان آمن في الواد (ما زال هذا المكان قائما لحد الساعة وهو عبارة عن مغارات صغيرة امتلأت الآن بالأعشاب والنباتات الشوكية) لأنه كان يعلم أن الفرنسيين سيأتون للانتقام، وهذا ما حدث بالضبط، ففي صباح اليوم الموالي يحكي لي عمي لحسن فوجئ جدي بقدوم طائرتين حربيتين فرنسيتين محملتين ب"الكور" وقامتا بإلقائها على قطيع من الأبقار يفوق عدده العشرين بين بقرات وعجول فتركته أشلاء ممزقة.
قال عمي لحسن وما زالت هذه الكور عندنا نستعملها كمهاريز. آنذاك عرفت معنى هاته الكلمة، إنها غشاء القنابل التي كان يلقيها المستعمر على المنازل والحقول فتحرقها وتدمرها.
وذات مساء من سنة 1999 تذكرت هاته القصة وقلت لعمي لحسن لماذا لم تستفد أنت ولا أعمامي من الامتيازات التي خصصت للمقاومين، فكان جوابه أنه هو وأبوه وغيرهما كثير لم يكونوا يفكرون في هذه الأمور، وكل ما كان يشغل بالهم هو خروج الاستعمار من البلاد. وسأحكي لكم في حلقة قادمة بحول الله عن بطولات جدي لزعر بومعاز في مقاومته للمحتل الفرنسي والتي سمعتها من زوجته وأبنائه رحمهم الله جميعا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
المهراز أداة نحاسية أو حديدية ضيقة من أسفل وواسعة من أعلى تستعمل لدق التوابل والقهوة وبعض الأعشاب وغيرها، وهناك نوع آخر يصنع من الخشب يستعمل لفصل حبات الشعير عن الحسك.
وعلى المودة نلتقي.
طبتم وطابت أوقاتكم بكل خير.

توقيع: أحمد لزعر التسولي

الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg