تعديل

mardi 10 avril 2018

أعلام تسولية 09.


ابن حبوس التسولي.


ولد سنة خمس مئة، وتوفي سنة سبعين وخمس مئة.
ترجم له محمد بن محمد بن عبد الملك المراكشي ترجمة وافية في كتابه القيم "الذيل والتكملة لكتاب الموصول والصلة" فقال: محمد بن حسين بن عبد الله ابن حبوس أصله من بني مقدول (لعلها بني مجدول الحالية) من تسول إحدى القبائل اللائي بجهة تازة، وكانت موضع بني العافية وحاضرة سلطانهم إلى أيام يوسف بن تاشفين.
شاعر المغرب الأقصى ومفخرته في صناعة المحاكاة والتخييل، وكان عالما محققا، وشاعرا مفلقا، ولد بفاس وتأدب بالعلماء من أهلها والطارئين عليها، وروى عن أبي بكر الأبيض، وروى عنه - أي عن ابن حبوس - أبو محمد التادلي، وكان من جلة فحول الشعراء متفننا في معارف سوى ذلك من كلام ونحو ولغة، وقال الشعر في صباه ثم رحل إلى تلمسين فأقام بها يسيرا، ثم رحل إلى مراكش فأقام بها قليلا، وقد كانت ثورة الشباب قد وقعت فحملته على انتقاد المرابطين بعد أن سار زمانا في ركابهم وكان اتصاله بهم في (مراكش) بعد رجوعه من (تلمسان) وهو يومئذ في عنفوان شبابه و طموحه وقدر استغلال نبوغه الأدبي وما أظهره المرابطون تجاهه من تقدير دون تحقيق أهدافه ومطامحه وذلك لهيمنة فقهاء الدين من حصار على بلاط المرابطين، وإيثارهم بالمكانة العالية مما أدى إلى كساد سوق الأدب والشعر، وقد هداه إحساسه المرهف إلى أن هذه الحالة لا تعدو أن تكون فترة انتقال وترقب فعمل على التظاهر بالتعاون مع المرابطين وكذلك مع الموحدين في آن واحد، فاستخدم الشعر كسلاح ذو حدين لهؤلاء حد ولهؤلاء الآخر وأخذ يبث إحساساته في ذلك لئلا يغيظ القائمين على وضع جديد واستخدم الرمزية في الشعر ليعبر فيه على ما أراد قوله، ثم قدم الأندلس (1) فتردد في بعض بلادها معظم عصر شبيبته إلى أن ظهر عبد المومن (يقصد السلطان الموحدي عبد المومن بن علي الكومي) بالعدوة (يقصد بها المغرب) واستولى على مراكش فسار إليها واستوطنها متنقلا بانتقال عبد المومن يصحب ركابه ويسير معه في حركاته (الحركات بسكون الراء هي تلك الغزوات التي كان يقوم بها السلطان للقضاء على الثوار أو لتـأديب بعض المتمردين على الدولة) ولمعرفة مكانته عند عبد المومن شخصيا نذكر ما رواه المراكشي حين ذكر حادثة فتح جبل طارق حيث يقول في كلام طويل: "وكان له بهذا الجبل يوم عظيم اجتمع له في مجلسه من وجوه البلاد ورؤسائها وأعيانها وملوكها ما لم يجتمع لملك قبله، واستدعى الشعراء في هذا اليوم ابتداء ولم يكن يستدعيهم قبل ذلك، وإنما كانوا يستأذنون فيؤذن لهم، وكان على بابه منهم طائفة أكثرهم مجيدون، فدخلوا، فكان أول من أنشده أبو عبد الله محمد بن حبوس ..."
يقول العلامة عبد الله كنون "فانظر كيف قدم ابن حبوس في ذلك المحفل العظيم على جميع من حضر وما ذلك إلا لتبريزه في الميدان، وتقدمه على أهل زمانه خصوصا إذا لاحظنا أن ذلك الترتيب لا بد أن يكون عن قصد من منظمي الاحتفال الرسمي" وبعد انصراف عبد المومن من فتح المهدية سنة 455 فارقه وعاد إلى فاس فاستوطنها، وله في عبد المومن وبنيه أمداح رائقة، ومنها فيه وقد حل برباط الفتح:
ألا أيهذا البحر جاورك البحر **** وخيم في أرجائك النفع والضر
وجاش على أمواجك الحلم والحجى **** وفاض على أعطافك الإمر والأمر
وسال عليك البر خيلا كماتها **** إذا حاولت غزوا فقد وجب النصر
وليس اشتراك اللفظ يوجب مدحة **** ولكنه إن وافق الخبر الخبر
فما لك من وصف تشاركه به **** سوى خدع في النطق زخرفها الشعر
قلت: وهي قصيدة طويلة جدا ولم ينقص طولها من حلاوتها ولم يغطي على بهاء رونقها، وقد وردت فيها إشارة تاريخية إلى بناء فرضة الرباط أو قصبة الرباط وكيف خط فيها المهندسون قنوات الري وجلب الماء من عين غبولة والمنافع التي ترتبت عن ذلك، يقول:
بنى فرضة أم البلاد فكلها **** يسح عليها من مراضعها در
تكنفها الماءان من كل جانب **** نقيضان ذا حلو المذاق وذا مر
فهذا عليه المد والجزر دائبا **** وذلك لا مد عليه ولاجزر
ويقصد بالماءين ماء البحر وماء العين وفيه إشارة إلى الموقع الجغرافي للقصبة والتي تعرف حاليا ب "شالة".
وله في الزهد والتصوف والدعوة للتمسك بالسنة قول رائع رائق منه:
أقصر ظماءك في شريعة أحمد **** تسقى إذا ما شئت غير مصرد
وتوخ أعطان الديانة علها **** تدنيك من حوض النبي محمد
لذ بالنبوة واقتبس من نورها **** واسلك على نهج الهداية تهتد
وإذا رأيت الصادرين عشية **** عن منهل الدين الحنيف فأورد
وهي طويلة كسابقتها تقطر حسنا وتنبئ عن نفسها.
قال المصنف رحمه الله: وشعره كثير، وقد جمع له بعض أصحابه المختصين به ما علق بحفظه منه أو أحضره ذكره، أو أرسأته عوادي التنقل والاضطراب إلى آخر ربيعي ستين وخسمس مءة، فناهز ذلك ستة آلاف بيت وخمس مئة بيت، وقفت منه على مجلد متوسط.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
في قصة دخوله الأندلس يقول عبد الواحد المراكشي صاحب المعجب: ومن خط ابن حبوس نفسه، وقراءة ابنه عبد الله، قال ابن حبوس: "دخلت مدينة - شلب - من بلاد الأندلس، ولي يوم دخلتها ثلاثة أيام لم أطعم فيها شيئا، فسألت عمن يقصد إليه فيها؟ فدلني بعض أهلها على رجل يعرف بابن المليح، فعمدت إلى بعض الوراقين فسألته سيحائة ودواة فأعطانيهما، فكتبت أبياتا امتدحه فيها، وقصدت داره، فإذا هو في الدهليز، فسلمت عليه، فرحب بي ورد علي أحسن رد، وتلقاني أحسن لقاء، وقال أحسبك غريبا ؟ قلت : نعم، قال لي: من أي طبقات الناس أنت ؟ فأخبرته أني من أهل الأدب من الشعراء، وأنشدته الأبيات التي قلت، فوقعت منه أحسن موقع، فأدخلني إلى منزله وقدم إلي الطعام، وجعل يحدثني، فما رأيت أحسن محاضرة منه، فلما آن الانصراف، خرج ثم عاد، ومعه عبدان يحملان صندوقا، حتى وضعاه بين يدي، ففتحه فأخرج منه سبعمائة دينار مرابطية فدفعها إلي قائلا: هذه لك ثم دفع إلي صرة فيها أربعون دينارا، وقال: وهذه من عندي، فتعجبت من كلامه، وأشكل علي جدا فسألته من أين كانت هذه لي؟ فقال لي سأحدثك: إني أوقفت أرضا من جملة مالي للشعراء، غلتها في كل سنة مائة دينار، ومنذ سبع سنين لم يأتني أحد لتوالي الفتن التي دهمت البلاد، فاجتمع هذا المال حتى سيق لك، وأما هذه فمن حر مالي، يعني الأربعين دينارا، فدخلت عليه جائعا فقيرا، وخرجت عنه شبعان غنيا".
**********
انظر في ترجمة ابن حبوس المصادر القديمة التالية:
-
تاريخ الإسلام للذهبي للذهبي: الجزء 39 صفحة 399.
-
التكملة لكتاب الصلة لابن الأبار الجزء 3 الترجمة 407.
-
الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة لمحمد بن محمد بن عبد الملك المراكشي المجلد الخامس، الجزء الثامن، ترجمة 91 ص 177 وما بعدها.
-
المعجب في تلخيص أخبار المغرب لعبد الواحد المركشي ص 282-283.
-
زاد المسافر وغرة محيا الأدب السافر لصفوان بن إدريس المرسي، الترجمة رقم 01 ص: 06.
-
المطرب من أشعار أهل المغرب، لعمر بن حسن بن دحية، ص 109 و 199. وقد نص فيه على نسب ابن حبوس لبني مجدول بالجيم كما هو معروف حاليا، يقول: شاعر المغرب الأقصى ومفخرته في صناعة المحاكاة والتخييل محمد بن الحسين بن حبوس بالباء بنقطة واحدة من أسفل (يؤكد على الباء تمييزا له عن ابن حيوس الدمشقي) من أهل تسول من بني مجدول. وللإشارة فإن ابن دحية هذا يؤكد في كتابه أنه التقى بابن حبوس بمراكش سنة 564 هجرية، ثم زاره ثانية بداره بدرب السراجين بفاس فسمع منه وأخذ عنه.
-
الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام للعباس بن إبراهيم السملالي المراكشي، الجزء 4 ترجمة 505 ص: 110.
-
وفيات الأعيان لابن خلكان ترجمة ابن حيوس الدمشقي (بالياء).
-
المحمدون من الشعراء للقفطي وإن كان أخطأ في مكان ولادته وإقامته فجعلهما الأندلس عوض المغرب.
ومن المعاصرين انظر كتاب العلامة عبد الله كنون، ذكريات مشاهير المغرب الجزء الثالث، ص: 05.
وانظر مقال الأستاذ عبد الكريم التواتي: دراسات في الأدب المغربي ابن حبوس، مجلة دعوة الحق، العدد 236 رجب 1404/ ماي 1984م.
وعلى المودة نلتقي.
تسولي وافتخر.


توقيع: أحمد لزعر التسولي

الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg