تعديل

mercredi 7 mars 2018

حديث الشهور

قراءة في التراث الشفهي لإقليم تازة: قبيلة التسول نموذجا.
                                                                                                                  

الجزء السادس عشر.



كنت تحدثت في جزء سابق عن المنازل الفلاحية في القبيلة التسول وكيف يتم اعتمادها لتقسيم الموسم الفلاحي وتحديد أوقات ومراحل الحياة البدوية ونعود في هذا الجزء لنتحدث عن الشهور باعتبارها وعاء لهذه المنازل، مع التذكير أن أهل البادية لا يعرفون من الشهور بالاسم إلا أكتوبر ويناير وفبراير مارس وأبريل وماي. أما ما تبقى منها فيدخلونها في الفصول: الخريف والليالي والصيف، دون تخصيص شهر بالذكر.
وبالنسبة لأكتوبر لم أسمعهم يتحدثون عنه بشكل خاص وكل ما يمكن ذكره هو أن هذا الشهر يعتبر فيصلا بين مرحلة الحر الصيفي والقر الشتوي، وهو مناسبة للاستعداد لجني الزيتون والحرث وأخذ الاحتياطات اللازمة للحؤول دون تسرب مياه الأمطار للبيوت و'النوادر' وذلك عبر تعزيز السقف وغلق الفجوات بين 'المحايف'[1]، أما التبن (النوادر) فيتم الحفاظ عليه عبر عملية التونية بفتح التاء ويسكون الواو وكسر النون. كما يستغل الفلاحون هذا الشهر لترويض (تطويع) الدواب والبقر التي سيتم الاستعانة بها في الحرث لأول مرة.
يناير: أشهر ما يقال في هذا الشهر: يناير احرث يا حاير، وهي دعوة للحرث بهمة ونشاط خلال هذا الشهر دون تردد. ومما يرتبط به أيضا رده على أنثى الماعز حين استهزأت منه في آخر يوم وقالت: طز عليك يا ناير (بتشديد النون) ظانة أنها قد نجحت في اجتياز فترة البرد الذي يشكل سعد الذابح قمة ذروته (سعد الذابح لا وجه صابح ولا كلب نابح) فرد عليها قائلا: دابا نتسلف لك خمس يام من يبراير ونخلي زغب طهرك طاير، وهو تهديد لها بأنها لم تجتز بعد فترة القر.
فبراير: يقول الفلاحون ''يبراير زرعا بالمطاير، أو كولا بالخماير'' وهي دعوة لحرث بعض البقع "مطاير" الظليلة أما البقع المعرضة لأشعة الشمس فلا يمكن حرثها لأنها لن تكتمل بسبب مضي موسم المطر، أو لعلهم يقصدون حرث المزروعات الربيعية كالحمص مثلا. 
ويقولون أيضا ''يبراير غي يصفيها من كل مراير، أو يزيدا خماير فخماير'' .
''يبراير إلى صابا نوار يزيدا نوار فنوار، ولا صابا غبار يزيدا غبار فغبار'' وأظن أن المعنى واضح جلي.
مارس: وهو الفحل الثالث (يسمي الفلاحون شهور يناير وفباير ومارس فحول السنة) ودرة عقد القلادة في السنة الفلاحية، فيه يتم غرس الشجر ''خطاك الغرس فمرس'' وفيه يعتدل الجو ويستوي الزرع على سوقه، ويعتبر سقوط المطر في هذا الشهر ضمانة ممتازة لموسم فلاحي ممتاز ''مارس أيقول للشهور إلى حضرت أنا غيبوا كلكم، وإلى غبت أنا حضصروا كلكم''  ومعنى هذا الكلام أن مطر مارس هو النقطة الحاسمة والفاصلة في الموسم الفلاحي.
ويقولون أيضا ''مارس غي يمرسا أو يملصا'' وهو مثل لا يختلف كثيرا في معناه عن المثل السابق.
أبريل:  وهو شهر مرتبط بالخصب ونضج بعض القطاني ''يبريل فاين ما شت الفول ميل'' وإن كان لا يخلو هو أيضا من بعض الفترات الباردة ''يبرير يا يبرير يا لمطلع البروط للسرير، ويا لمبكي الشيخ الكبير على كسيرة دالشعير'' وسبب بكاء الشيخ على كسرة خبز الشعير هو قلة المؤونة وضعف المخزون في هذا الشهر، ويقولون عن هذا الشهر أيضا ''يبرير فيه أيبرد الخنزير'' كدلالة على شدة برودة هذا الشهر.  
ماي: أشهر ما يقال عن هذا الشهر عبارة ''ميو كل هاو ريو'' وتعني أنه خلال هذا الشهر تختلف آراء الناس بسبب قرب موسم الحصاد، وصراحة لا أعرف سبب اختلاف الآراء خلال هذا الشهر وإن كنت أرده إلى نضج صنفين من القطاني وهما الفول والجلبان مع وفرة البقوليات، مما يتسبب في اختلاف الأهواء بخصوص تفضيل صنف على آخر. 
ومما يقال عنه أيضا: ''ميو حصد الدرع، واخا يكون من فليو'' والدرع هو كناية عن حزمة من الزرع أو غيره، ومعناه أن الحبوب يكتمل نموها في هذا الشهر ويحين وقت حصادها.

وقبل الختام أريد أن أشير إلى مقولة مشهورة في القبيلة حول التحذير من التعرض لحرارة الشمس في بعض الشهور، يقول أجدادنا ''خلي الرا وخرج لبرا'' ومعناه أن شمس الشهور التي يكون فيها حرف الراء  تكون ضارة وغير نافعة ولذلك يتوجب الحذر منها ومن التعرض لأشعتها بخلاف شمس الأربعة شهور التي تخلو من هذا الحرف وهي ماي ويونيو ويوليوز وغشت فإن أشعتها تكون صحية وغير ضارة مهما تعرض لها المرء. وقد ثبت بالدليل العلمي صحة هذه المقوقة حيث وجد العلماء أن شمس الصيف لا تؤثر سلبا على جسم الإنسان بخلاف باقي الشهور.

توقيع: أحمد لزعر التسولي

وعلى المودة نلتقي.



[1] - المحايف هي أحجار مسطحة يتراوح سمكها بين سنتيمتر وثلاث سنتيمترات توضع فوق فوق السقف المحدب كما يوضع القرميد لتفادي دخول المطر. 

الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg