تعديل

mercredi 7 mars 2018

قراءة في أهازيج نساء آل تسول 01



قراءة في التراث الشفهي لإقليم تازة: قبيلة التسول نموذجا.
الجزء الثامن عشر.

كثيرا ما تميزت النساء عبر العصور والأزمان وفي كل الثقافات بحس مرهف، وخيال خلاق، وقد اشتهرت في الأدب العربي الكثير من الأسماء النسائية التي تفوقت على الرجال في مجال النظم والأدب كالخنساء الشاعرة وليلى الأخيلية وعنان الأديبة العباسية وولادة الأندلسية وغيرهن كثير كثير، ذلك أن مجال الأدب والشعر ليس حكرا على جنس دون جنس أو قوم دون قوم، بل هو هبة موزعة بين البشر عامة، وإنما العبرة في طريقة استغلالها استغلالا فنيا يبرز شخصية المبدع أحسن إبراز وأفضله، وتعتبر النساء القرويات عموما والتسوليات/البرنوصيات (2) خصوصا من أكثر النساء إبداعا وافتنانا في مجال قرض الشعر المسجع المنمق، بل ويكدن يتفوقن على رجالهن في هذا المضمار، وذلك لطبيعة المجال الذي يعشن فيه، فسحر الطبيعة ونقاؤها وتعدد مكوناتها بين جبال وهضاب ووديان مما يساعد على النظم ويذكي جذوة الإبداع، وهذا أمر معروف بين الناس قديما وحديثا (انظر كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة، والعمدة لابن رشيق القيرواني، وجمهرة أشعار العرب للقرشي، والعقد الفريد لابن عبد ربه وغيرها ) وقد يسأل سائل ما دام الأمر على ما قلت فلماذا لم يكتب لأهازيج النساء الانتشار الذي كتب لأغاني الرجال؟ وللجواب أقول هناك فرق كبير بين الأمرين، فبينما يستفيد الرجال من مجال أوسع وأرحب للغناء (غالبا ما يكون وسط البيت أو سرادق كبير والسرادق هي الخزانة كما نسميها نحن)، ويستفيدون من الحرية في الأداء وكثرة عدد المستمعين، نجد النساء على العكس من ذلك تماما، فغناؤهن يقتصر على الغرف المغلقة بالأساس ويعتمد على التخفيف من حدة الصوت، بمعنى أنهن يغنين لأنفسهن وللموجودات داخل الغرفة فقط، لأن الأعراف في القبيلة لا تسمح بأن تخرج النساء للخارج وتؤدين أغانيهن بنوع من الحرية المكفولة للرجال. كما يتميز شعرهن أيضا بالقصر والاختصار وتكثيف الصور في أقصر عبارة ممكنة، ولذلك يندر أن نجد قصيدة نسائية تتجاوز أربع فواصل مسجعة. ولإن شكلت الأعراس المجال الأرحب لإبراز موهبة الرجال في الغناء والإبداع باعتبارها شأنا ذكوريا بامتياز، فإن حفلات العقيقة هي المتنفس الأكبر للإناث من أجل الصدح بالغناء وممارسة نوع من الحرية، حيث يكن داخل غرفة بعيدة شيئا ما عن مكان وجود الرجال الذين يكونون في مجال مخالف، وفي جو من الطقوس الدينية المتنوعة بين تلاوة القرآن والذكر والمواعظ، ويمكن تفسير اختصاص حفلات العقيقة بالغناء المؤنث دون غيره بسبب الفرحة العارمة التي تشعر بها المرأة في هذه المناسبة حيث تشعر بأنوثتها الكاملة وبأنها امرأة تامة الخلق والنضج، قابلة للغرس وإنتاج كائن سيجعلها متمكنة في بيتها لا تتزحزح منه (نسمع في المثل: المرا بلا ولاد بحال الخيمة بلا وتاد) ولذلك تكثر في هذه المناسبة أهازيج الغزل الأنثوي في أزواجهن خاصة وفي جنس الرجال عامة، وعلى النقيض من ذلك نحس في حفلات الأعراس بنوع من الحزن في أغاني النساء، حزن يفسره الشعور بالحسرة على فقدان فرد من أفراد العائلة وانتقاله إلى بيت مغاير وبيئة مختلفة، حزن يفسره تكرار هاته الجمل أثناء مراسيم الحناء:
وا حنيو للالة حنيو لخيتني لاواه
جيبو الحنة وجيبو لخيوط لاواه
دموع لالة يشلطو لحيوط لاواه
والحنة هي الحناء والخيوط جمع خيط، وكانت تعقد مع شعر العروس لتثبيت السبنية أثناء انتقالها إلى بيت زوجها. ويبلغ الحزن ذروته في لازمة: دموع لالة يشلطو لحيوط، حيث تصف الحالة التي تصل إليها العروس وهي حالة البكاء الحار بالدمع الغزير الذي يبلل جدران الغرفة الموجودة فيها (طبعا هذ الشي كان شحال هذي أما دابا فالعروسة أدفرح فوقاش دخرج من دارهم ههه).
أما المواضيع التي تتناولها النساء فيمكن إجمالها في العناصر التالية:
1- الغزل أو مدح الرجال وهو الموضوع/الغرض الغالب على أهازيج النساء، باعتبار أن المرأة بدون زوج أو ذكر أبا كان أو أخا أو عما ... ما هي إلا كائن ضعيف هش (انظر المثل: الراجل فالدار رحمة، واخا يكون فحمة) في مجتمع ذكوري الهيمنة بامتياز، ولنستمع إلى إحداهن وهي تتغزل في جمال شعر زوجها وتقول:
مول الشعر مخبل، بحال الزرع مسنبل، أنا رايحة نسقيك من راس الجبل.
ورغم أن تخبيل الشعر أي كثافته مع عدم تعاهده بالمشط والتسريح مما يطعن في جمال المرأة، إلا أنه يعتبر مزية لدى الرجال، حيث يظهر رجولتهم كاملة لأن النساء في معظمهن يمقتن المخنثين من الرجال الذين يكثرون من الاغتسال ويبالغون في النظافة، وقد شبهت شعر زوجا بالسنابل لكثافته، وتتعهد بأنها ستتكلف المشقة في سبيل العناية والاهتمام به عبر ريه من رأس الجبل حتى يظل على حالته.
وتقول أيضا:
مول الشعر مخبل، وفوق لكتاف محلحل، ونتينا كي الشهدة تابعينك النحل.
نرى في هذا المقطع صورة أخرى، حيث تشبه زوجها بالزهرة، وكثرة المعجبات به وبشعره بالنحل الذي يطوف حولها.
أكتفي بهذا القدر دفعا للملل، وللموضوع بقية.
وعلى المودة نلتقي.
طبتم وطابت أوقاتكم بكل خير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ الفاضل سيدي محمد الحاتمي الذي تفضل بتزويدي بمجموعة صالحة من الأهازيج النسائية، فجزاه الله عني وعن المتابعين خير الجزاء.
(2) آثرت أن يكون البحث شاملا لقبيلة البرانص أيضا لتشابهها معنا حرفيا في جميع العادات والتقاليد وتشاركها معنا الأهازيج نفسها أيضا، وقد استفدت كثيرا في هذا المجال من إحدى خالاتي المتزوجة هناك والتي تعتبر أشعر نساء العائلة.


توقيع: أحمد لزعر التسولي

الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg