تعديل

vendredi 14 décembre 2018

قراءة في التراث الشفهي لإقليم تازة: قبيلة التسول نموذجا. الجزء الثاني والعشرون:



أنواع التوازة عند آل تسول.

التوازة (1) وبالأمازيغية ثويزا كلمة تعني التعاون والتكافل بين الناس لقضاء غرض معين، وهو عرف وعادة متأصلة في قبيلة التسول منذ القدم، حيث كان أفراد القبيلة يعتمدون عليها اعتمادا شبه كلي في مجتمع زراعي محض لم يعرف المكننة إلا في عهد متأخر نسبيا، ويمكن حصر مجالات التوازة في عدة أنشطة فلاحية واجتماعية كما يمكن تقسيمها إلى قسمين توازة رجالية وتوازة نسائية:
**: توازة رجالية، نذكر منها:
01- توازة الحصاد: وهي الأشهر والأكثر انتشارا في القبيلة وكان يلجأ إليها عبر طريقتين:
أ- طريقة "دارت" وتقضي بأن يجتمع شباب الدوار في المسجد مع بداية موسم الحصاد ويتفقون على العمل سويا كل يوم وبشكل تناوبي بين فلاحي الدوار حتى يأتون على آخر سنبلة في الدوار.
ب- طريقة الدعوة: وتتم عبر دعوة من أحد السكان يوجهها لشباب الدوار من أجل مساعدته في الحصاد على أن يرد لهم هذا الجميل في أي وقت يحتاجونه فيه.
02- توازة الحرث: وينطبق عليها المعيار نفسه المطبق في الحصاد إلا أن عدد المشاركين في هذا النوع من التوازة لا يكون كبيرا، حيث يكتفي الفلاح بثلاثة أزواج أو أربعة في أقصى الحالات، وأحيانا تتخذ التوازة في الحرث طابع الاستمرار إلى نهاية الموسم وتسمى عندنا "المداولة أو الدوال" وتعني أن يساهم فلاح ببهيمة أو ثور وآخر بمثلها لتكوين زوج ثم يشرعان في عملية الحرث بالتناوب.
03- توازة قطف ثمار الزيتون حيث يتعاون سكان الدوار في عملية قطف عبر إشراك الشباب والبنات في الوقت نفسه.
04- توازة تهوية تربة الفول: وتسمى النقيش وهي عادة انقرضت منذ التسعينات حيث كان سكان الدوار يجتمعون كل يوم عند فلاح بعينه ليساعدوه في عملية قلب التربة على نبات الفول وإزالة النباتات الطفيلية عنها حتى يتسنى لها النمو بسرعة وبشكل طبيعي. وقد كانت هاته العملية تتم في الحقول التي كانت تزرع بطريقة تقليدية حيث كان الفلاحون يزرعون حبات الفول بطريقة التشتيت كما تزرع باقي الحبوب، أما الحقول المزروعة بطرقة الخطوط فكان قلب التربة عنها يتم عبر آلة تسمى "المضمض" وهي عبارة عن نصف محراث حيث تقلب التربة لجهة واحدة فقط ويجرها حيوان واحد.
05- توازة الدراس: وهي تخضع لشروط توازة الحرث نفسها.
06- توازة توقاف التبن: وكنت قد تحدثت عنها في وقت سابق وتقضي بأن يجتمع شباب الدوار عند رجل منهم اتنتهى من عملية الدراس فيساعدونه على جمع التبن على شكل هرم دائري مرسوم بإتقان تتم تغطيته ب"البرومي" وهو سيقان القمح الصلب لتفادي دخول الماء إليه كما يتم وضع بعض النباتات الشوكية فوق البرومي لإبعاد الحيوانات عن إتلافه.
07- توازة تسقيف البيوت: تتم عملية تسقيف البيوت في القبيلة عبر وضع أحجار مسطحة ورقيقة نسبيا (تسمى المحايف لا يتجاوز سمك كل واحدة منها سنتيمترين اثنين) فوق بعضها (كما يفعل بالقرميد) حيث تسهل عملية نزول الماء من أعلى البيت إلى حوافه، كما تحول دون تجمع الماء فوقها. (سأتكلم في منشور لاحق بحول الله حول هاته الأمور).
08- توازة حمل "السهم" والسهم أو السهام شجرة من الصفصاف فارعة الطول توضع بشكل طولي فوق البيوت لتسهل عملية وضع القطع الخشبية الرقيقة نسبيا (تسمى الحنية) والتي تسند المحايف.
09- توازة تركيب الرحى: قبل ظهور المعاصر العصرية كانت عملية طحن الزيتون تتم في الأرحاء (جمع رحى) التقليدية التي تجرها البغال، والرحى حجرة دائرية سميكة جدا وثقيلة فيها ثقب في الوسط توضع فيه خشبة تساعد على دورانها بشكل سريع نسبيا، وغالبا ما كان يتم جلب هاته الحجرة من قبيلة 'غياتة' ولذلك يكون صاحبها مضطرا للاستعانة بسواعد الرجال الأقوياء من أجل التعاون على دحرجتها لمسافة طويلة قد تتجاوز العشرة كيلومترات أحيانا.
10- توازة الطاجين: وهي من أجمل الأعراف المنقرضة للأسف وأفضلها، وتعني أن يقوم جار أو جارين أو ثلاتة وأحيانا أربعة بإعفاء أهل العريس من تحضير وجبة العشاء حيث يتكفل كل واحد منهم بإطعام أربعين أو خمسين مدعوا، وفي بعض الأعراس لا يجد والد العريس من يأكل معه من الرجال فيضطر للحاق بضيوفه. وقد كان صاحب العرس يختار هؤلاء المساهمين معه بصفة فردية وبعد أن يأخذ موافقتهم يتم الإعلان عنهم في اجتماع بالمسجد إما بعد صلاة مفروضة أو بعد وليمة بسيطة يصنعها لأهل الدوار ويعتبر هذا الإعلان إلزاما للمتطوعين ولا يمكنهم التنصل منه أبدا إلا بوفاة طارئة أو جائحة قاضية، لأن الإخلال بالاتزام يوقع صاحب العرس في حرج وضيق لم يكن مرتبا له قبلا. وفي بعض الأحيان لا يقوم صاحب العرس بمهمة البحث عن متطوعين بل هم من يبادرون بالتفضل ويقترحون عدد المدعوين الذين سيتكفلون بإطعامهم.
11- توازة الهنا أو الغرامة: وهو الوقت الذي ينتظره والد العريس بفارغ الصبر حيث يستطيع من خلاله استرجاع بعض المصاريف عبر تنافس المدعوين على تقديم الأوراق النقدية، ويبدأ هذا الطقس بترديد الأبيات التالية:
وصليو على النبي وصاليو عليه والملائكة حاضرة والشيطان يخزيه
واصليو على النبي ويا هذ الناس كلمة حلوة فاللسان محفوظة فالراس
واصليو على النبي ويا زيارو والحجاج للي مشاو للجنة سارو
ويا الحاير فالوطا والتباع وراه والراكبة فالسلطنة والوازرة موراه
والحاير فالوطا والشمش والاتو لله يا شعور البنات كونو حجاباتو
حفرولنا العدا البير وشحال من قامة وخرجنا بجهد الرسول وبلا عوامة
ويا الطالع للجبل الراس العالي خرجات منو فاطمة وخلاتو خالي
وصليو على النبي وصاليو عليه والملائكة حاضرة والشيطان يخزيه
بعد الانتهاء من هذه الأهازيج يقوم البراح بأخذ الكلمة حيث ينادي بأعلى صوته:
اللهم صلي على سيدنا محمد ألف مرة حتى يرضى (تكرر ثلاث مرات)، الله ينعل الشيطان، ويهدن الأوطان، وينصر مولاي السلطان، أحبابو، أعشرانو، احناوين، الحنة على الله ألجواد؟
وفي هذه اللحظة تبدأ المنافسة بين الحضور ومن يقدم أعلى مبلغ يقوم ابنه أو حفيده بالجلوس جانب العريس ودهن أصبعه بالحناء، وهي لحظة محرجة جدا للوزير إن لم يستطع تقديم مبلغ يضمن له البقاء بجانب مولاي السلطان.
12- توازة الحطابة: وهي عادة اندثرت هي الأخرى بسبب انتشار الأفران والمخابز العصرية، وهو تقليد يقضي بأن يجتمع شباب الدوار في دار العريس قبل أسبوع من موعد العرس ويتوجهون مجتمعين إلى الغابة قصد جمع الحطب لتحضير خبز العرس.
13- توازة "الكصعة"، وهو لفظ يطلق لى الخاص ويقصد به العام، بمعنى أنه يدل على إناء خزفي مقعر معروف ولكن يراد به وليمة العزاء حيث يتكفل ثلاثة من سكان الدوار بتجهيز ثلاث ولائم لأهل الميت، الأولى يوم الوفاة، والثانية في اليوم الثالث بعد الموت، والثالثة في اليوم السابع الذي يطلق عليه في القبيلة "سابع القبور"، ولهذا العرف مرجع ديني يستند إلى قوله عليه الصلاة والسلام لأهله حين بلغه نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: "اصنعوا لآل جعفر طعامًا فقد أتاهم ما يشغلهم" رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، قال ابن قدامة- رحمه الله تعالى: (وجملته أنه يستحب إصلاح طعام لأهل الميت يبعث به إليهم إعانة لهم وجبرا لقلوبهم، فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم).
أما الأكلة المشهورة في الكصعة فهي الكسكس بلحم الغنم مع البصل والزبيب لا يستغني عنها المولم وله أن يضيف إليها ما شاء حسب الاستطاعة. وهذا العرف يكتسي طابع الإلزامية كذلك رغم كونه عملا تطوعيا لا يحتاج لإشهاد أو طلب كما في الطاجين، ويكون المستفيد منه ملزما بإرجاع مثله في حالة وفاة أحد المتطوعين أو أحد أقربائهم.
**: توازة نسائية:.
01- توازة قطف القطاني: وهي شبيهة إلى حد كبير بتوازة الحصاد عند الرجال، حيث تعتبر عملية جني القطاني (العدس، الكرسانة، الحمص) عملا نسائيا بامتياز حيث كان الشباب من الذكور يترفعون عن هذا العمل ويعتبر منقصة في حقهم.
02: الفتيل: وهي عادة نسائية تقضي بتجمع النساء في دار العريس لفتل الكسكس وتبخيره وترافق هذه العملية الزغاريد وضرب الدفوف.
03: توازة تنقية وغزل الصوف: وهي من العادات التي كانت معروفة في القبيلة حيث تجتمع النساء في بيت إحداهن لمساعدتها على تنقية الصوف وغزلها ونسجها عبر بعض الآلات البسيطة كنت قد تحدثت عنها في منشور سابق.
04: توازة "التحناك" ويقصد بالتحناك عملية تبليط الجدران وكسوتها بالطين ثم بتراب أبيض يشبه الجير اسمه "بياطة" وهي عملية مضنية ومتعبة جدا وتتطلب تعاون الكثير من الشابات عليه.
هذا ما استطعت تذكره من أنواع التوازة في القبيلة ولعلي نسيت بعضا من الأعمال الأخرى التي كانت تنجز عبر هذا العرف، ولذلك أطلب من الإخوان تذكيري وتذكير القراء ببعض الأعمال الأخرى التي كانت تحتاج للتوازة. ودمتم سالمين.
وعلى المودة نلتقي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لعل اسم التوازة يحيل على مدينة تازة، ونحن نطلق على سكان تازة اسم "توازة" فلعل هذا العرف هو عرف تازي المنشأ والأصل وذلك يظهر من كثرة الأعمال التي كانت تنجز عبره، والله أعلم.


توقيع: أحمد لزعر التسولي

الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg