تعديل

mardi 26 juin 2018

شذرات من حياتي 02




تحياتي أحبابي:
بعد ساعة ونصف تقريبا، وصلنا إلى سوق أربعاء تاهلة، أخذنا حيزا من ساحة خارج السوق تستغل كموقف في المواسم الفلاحية، وقفت وبدأت أجول بناظري في المكان، شباب وشيوخ وكهول من مختلف الأعمار والقبائل اضطرهم الفقر والحاجة للوقوف في هذا الوقت الباكر لعله يجود عليهم بمن يحرك سواعدهم ويسيل عرقهم، بقيت أنظر كيف يتسابق الحصادون على كل من تظهر عليه بعض علامات الثراء من الفلاحين ليفوزوا بقلبه عبر الاستعطاف والمفاخرة بالمهارة والحذق في الحصاد، كنا عشرة أشخاص، نحن الثلاثة وانضاف إلينا سبعة آخرون يعرفون عمي بوجمعة الذي جعلوه مقدما علينا ورئيسا لنا لا يرد له رأي، ولا يناقش له قرار، وحين رأى كثرة الحصادين قال لنا: القضية واعرة أليشاشرا، الشوالة بزاف، والفلاحة قلالين، هذ النهار ماشي يخرج خاوي واقيلا.
مرت بعض اللحظات وكأنها ساعات طويلة لا نهاية لها، ولا يعرف مرارة الجلوس في الموقف إلا من جربها، ولحسن حظي أنني كنت متعودا على ذلك بحكم ممارستي أعمال البناء في إقليم الناظور كل فصل صيف خلال السبع سنوات التي سبقت، ولذلك لم تكن وطأة الانتظار ثقيلة علي بمثل ما كانت على الحصادين المبتدئين. ولم يقطع علينا هاته اللحظات إلا مجيئ رجل متوسط العمر، طويل القامة عريض المنكبين يبدو من سحنته أنه من الفلاحين الأمازيغيين المتوسطين، تقدم نحونا ببطء وبعد السلام حيانا بلطف وسأل عن المقدم. نهض عمي بوجمعة الذي كان جالسا ومنهمكا في حديث ذكريات مع أحد معارفه وتوجه نحوه، تبعناه جميعا وأحطنا بالرجل إحاطة السوار بالمعصم فانتهرنا عمي بوجمعة وطالبنا بالرجوع لمكاننا، سمعنا وأطعنا وبقي هو وذلك الفلاح يتفاوضان على السعر، بعد دقائق رجع إلينا عمي بوجمعة وعلامات اليأس تغطي وجهه وقبل أن نسأله بادرنا بقوله: هذا راه أيتفلى علينا، قالك هو خاصو غي سبعة دالشوالة وبألف ريال (50 درهما) للنهار، ارتفعت حناجر الباقين بالسب والشتم في الرجل وكأنه أتي منكرا من القول وزورا. 
كان هذا أول وآخر فلاح يأتي عندنا نظرا كثرة العرض وكون الموسم الفلاحي في بدايته، بقينا هناك إلى ما بعد الظهر، وأمضينا ساعات طويلة كلها ملل وإحباط لم يكن تقطعها إلا قفشات من النكت وبعض المواقف الطريفة التي يحكيها بعض الرجال تمنعني لغتها البذيئة من مشاركتكم إياها، وإن كانت تختزن في طياتها الكثير من التجارب المرة لبعضهم، بعد الظهيرة طلبت من ابن عمي مرافقتي للقيام بجولة في السوق الذي كاد يفرغ إلا من بعض من نسميهم "اللقايطية" وهو أولئك البخلاء الذين ينتظرون اقتراب موعد فراغ السوق ليقتنون ما تبقى من خضر وفواكه ولحم وسمك بثمن بخس.
تجولنا قليلا واشتركنا في خبزة محشوة ببعض سمك التونة والفلفل الحار مع كأسين من مشروب أصفر حلو كنت أعرف مكوناته مسبقا (كنت قد قضيت فترة مع أحد بائعي كران في مدينة وجدة حيث كان يأتي بسطل ماء بارد ويضع فيه كيسا من مسحوق السكر وكيسين صغيرين من نكهة الليمون وحوالي نصف ملعقة صغيرة من الزعفران الصناعي وها هو المشروب جاهز) ورغم معرفتي بهاته التركيبة غير الصحية للمشروب فقد كانت وطأة الجوع والعطش أشد من مجرد التفكير في تبعاته.
أقبلنا على وجبتنا السريعة بنهم فأنهيناها في وقت قياسي وعدنا مسرعين للالتحاق بالرفقة الذين وجدناهم يلملمون خيبتهم وحاجياتهم من أجل العودة ولا يعرف طعم ذلك الإحساس إلا من جربه. 
وقف عمي بوجمعة كقائد سرية عسكرية وأحطنا به جميعا فتكلم وهون علينا ثقل هاته اللحظة: شوفو أليشاشرا الصيف عاد بداث، وهذ النهار ما جابش الله، أنا وولاد خوثي ماشي نمشيو لخميس دسيدي عبجليل نباثو تما وبلا ما نرجعو للدار ونزيدوها بالمركوب والضيعة دلفلوس، وغدا ينشاعالله نخرجو للموقف تما وربي يسهل، دي بغا يبقى معنا مرحبا به، ودي بغا يرجع فحالو الله يعاونو.
سمع الرفقة هذا الكلام فبقوا صامتين هنيهة كأن على رؤوسهم الطير، ينظر بعضهم لبعض وكأنهم ينتظرون من ينتشلهم من حيرتهم، حتى تكلم أحد الرجال في حدود الخمسينات من عمره وقال: حنا معك ألمقدم، ودي قلتا نتينا هي دي ماشي دكون، لاش ماشي نرجعو للدار ونصبحو فايقين عاوث على النبوري؟ أسيدي حنا معك بقطيع الريوس. ولايني فاين ماشي نباثو فالخميس؟ قال هذا الكلام ونظر إلى عمي بوجمعة الذي بادره بالإجابة: نباثو فالقياطن دالسواقة، نتفارضو بميا دريال (5دراهم) للواحد، ونليقو شي gاميلة بالخضرة للعشا، وها حنا هانيين.
أبدى الكل موافقته على هذا المقترح، أما أنا وابن عمي فلم يكن لنا خيار غير التسليم والإذعان، جمعنا حاجياتنا وذهبنا إلى مكان تجمع سيارات النقل الجماعي وتوجهنا إلى مركز خميس سيدي عبد الجليل وهنا ستبدأ مغامرة من نوع خاص أتركها لحلقة قادمة بحول الله.
وعلى المودة نلتقي.
مع خالص الود ويانع الورد.


توقيع: أحمد لزعر التسولي

الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg