تعديل

mardi 19 juin 2018

شذرات من حياتي 01




تحياتي أحبابي:

سأحكي لكم نتفا من سيرتي الذاتية، الغرض منها تعريفكم على جزء من حياتي الخاصة ولاسيما فترة الشباب التي كانت زاخرة بالأحداث والتجارب أردت نقلها لكم بكل صدق وأمانة عسى أن تستفيدوا منها كما استفدت أنا، وبما أننا في موسم الحصاد فسأحدثكم عن أول تجربة لي في الشوالة (الحصاد بالمقابل) كان ذلك سنة 1998 وبالضبط يوم الخميس 21 ماي، حيث كنت قد اجتزت الامتحان الكتابي للسنة الثالثة من الجامعة بتفوق وأنتظر الامتحان الشفوي الذي كان يتأخر بأكثر من شهر وذلك لإتاحة الفرصة للراسبين في الكتابي من أجل تدارك الوضع في امتحان ثان. وكنت قد تعودت في السنوات الماضية التحضير للشفوي في البادية وذلك من أجل مساعدة عمي وأخي في الأعمال الفلاحية، ومن حسن حظي تأخر موسم الحصاد لتلك السنة بسبب تأخر نزول المطر، وما أن وصلت إلى المنزل يوم الثلاثاء 19 ماي حتى فوجئت بعمي بوجمعة حفظه الله (أخ جدي رحمه الله) يطلب مني مرافقته هو وابن عم لي اسمه يوسف إلى أربعاء تاهلة من أجل العمل في الحصاد، فاجأني الطلب حقا ولكنني وافقت على الفور ودخلت البيت لآخذ موافقة عمي وجدي وأبحث عن العدة: المنجل والصبابع (جمع صباعة أو صباعية وهي عبارة عن جزء من قصبة تحفر بسكين ويوضع فيها الأصبع لحمايته) والدغار (وعاء جلدي صغير مجوف توضع فيه السبابة وهناك من يضعه في الوسطى أيضا ولكن هذا نادر جدا) أما تبانتة (تبانتة ثوب طويل نسبيا يشبه إلى حد كبير ما تضعه النساء في المطبخ يتم وضعه على البطن والرجلين للوقاية من حسك الزرع وشوكه) فلم أكن متعودا عليها وكنت أفضل الحصاد في سروال الجينز، بعد أخذ الموافقة خرجت عند عمي بوجمعة أطال الله عمره وأخبرته بأني جاهز لهذه المغامرة فطلب مني الاستيقاظ باكرا جدا لنلحق بالسوق في ذروته، دخلت البيت وأتيت بحقيبة صغيرة ووضعت فيها بعض الملابس ومقررات مواد الشفوي (علوم القرآن، علوم الحديث، لغة فارسية، الحضارة، ترجمة فرنسية، ترجمة أنجليزية) ثم أكلت ما كتب الله لي أن آكله ونمت باكرا من أجل أن أستيقظ باكرا أيضا، نمت وبدأت تراودني بعض الهواجس عن "الشوالة في بلاد الناس" وأنا الذي تعودت الحصاد في حقول جدي فقط (كانت لي تجربة قطع الفول في قبيلة الحياينة عندما كنت في الإعدادي ولكنها تجربة قصيرة لم تتجازو الثلاثة أيام إضافة إلى أن قطع الفول يختلف تماما عن الحصاد).
بعد مرور بضع ساعات سمعت نداء عمي بوجمعة "أنسأ الله في أجله" انتبهت فوجدت الساعة تشير إلى الثانية ليلا، قمت من فراشي مسرعا وغسلت وجهي وتوضأت تحسبا لصلاة الصبح ثم خرجت، قبلت يد عمي ورأسه ثم توجهنا لبيت ابن عمي يوسف "ذكره الله بالصالحات"، أيقظناه هو الآخر ثم توجهنا مسرعين إلى مركز اولاد ازباير وهو مركز يبعد عنا بأكثر من عشرة كيلومترات (كنت قد تعودت هذه الطريق لأنني كنت أقطعها يوميا ذهابا وإيابا طيلة فترة التعليم الإعدادي) بعد ساعتين تقريبا وصلنا المكان المنشود ووجدنا سيارة كبيرة من نوع ميرسديس 207 تنتظرنا ركبنا فيها وتوجهنا صوب مركز تاهلة، وطيلة مدة الطريق ظل الكثير من الشوالة يرموقونني بنظرات الاستغراب والريبة وأحسست بالفضول يكاد يقتلهم، وكأني أسمع أحدهم يقول بينه وبين نفسه: شكون هذ خينا للي لابس هذ الجاكيطة نقية وهذ القويميجة وهذ السروال نقي ويداه روطبين وماجي يتزاحم معنا على طرف دالخبز؟ وآخر يقول: طك يا مالي وطك، دابا عاد كملث، هذ الدري واقيلا عاد نزلو الكار مالمدينة وماجي قالك يشول، الله يشول فشي بغل زعراط يطيحلو سنانو؟ كل هذه النظرات نحوي وأنا أتصنع اللامبالاة وإن كنت في داخلي أكاد أتميز غيضا منهم ومن سخريتهم المكبوتة، لحسن حظي أن عمي رجل معروف في المنطقة وأغلب الراكبين معنا يعرفونه، ولم يتمالك أحد الفضوليين نفسه (سيتحول فيما بعد إلى أعز صديق لي في تلك الفترة) وتوجه إلى عمي بالسؤال عني.
الفضولي: شكون هذا الشاب دي معك أعمي بوجمعة؟
عمي بوجمعة: هذاك راه ولد خاي.
الفضولي: شفتو نقي وهذ اليديدات عندو روطبين، كا زعما ماشي يقد يكمل النهار؟
نظر إلي عمي بوجمعة فرآني وقد بدت علي علامات الغضب وكدت أنفجر غيضا، ولكن احترامه ونظراته التي تطالبني بالصمت كانا أكبر من غضبي وغيضي، خصوصا وأنه تدخل ليرد عليه.
عمي بوجمعة: شوف نتينا واش دكمل معه النهار، لا دشوفوشي هايثا ودحقرو، والحاصول الفدان دابا يعطيك الخبار.  


توقيع أحمد لزعر التسولي



الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg