تعديل

lundi 5 novembre 2018

أدبيات الكتاب ( المسيد) ومكانته لدى آل تسول 01


قراءة في التراث الشفهي لإقليم تازة: قبيلة التسول نموذجا. الجزء الحادي والعشرون

يشكل الكتاب أو المسيد بلغة أهل البادية مرحلة أساسية من مراحل عبور الصبي من مرحلة الفراغ إلى مرحلة الانشغال وبداية الاستقلال الجسدي عن الأم، وللالتحاق بالكتاب طقوس معروفة في القبيلة قد تشترك في بعضها مع باقي القبائل وقد تنفرد في أخرى، وسنحاول في المطالب الآتية الإحاطة بأغلب المراحل التي يمر منها الطفل الملتحق بالمسيد.
01 : مرحلة الاستئناس.
يرى بعض العلماء أن إلحاق الطفل بالكتاب هو حق شرعي من حقوق الابن على أبيه (1) ، ويعتبر المسيد من أهم المراحل التي كان يمر منها الطفل التسولي خصوصا والمغربي عموما، وتتشابه ملامح الحياة المحضرية في كل الجهات المغربية على مستوى التعليم الأولي في مرحلة المسيد بأطواره البدائية في التهجية والتكتيب والتنشئة الأولى على سلوكيات هذه البيئة الجديدة على الطفل، أم على مستوى المحضرة في تدرجها بالتلميذ أو تدرجه فيها في مختلف مراحل التحصيل.
وتبتدئ مرحلة الاستئناس في سن مبكرة جدا قد تتجاوز الثلاث سنوات بقليل، وهي مرحلة تعتمد على محاولة إدماج الطفل في محيط الكتاب، وتمتاز هذه المرحلة "بقدر كبير من المعاناة النفسية للطفل الذي يدرج في أول الطفولة، إذ يجد نفسه ولأول مرة مطلوبا منه أن ينفصل عن أمه وأهله، وأن يقضي فترات طويلة ومتلاحقة بعيد عنهم، وفي آفاق غريبة عن مألوفه، وهي آفاق جديدة عليه يقل فيها المرح أو ينعدم بالمرة، ويمنع فيها الكلام إلا همسا، ويضطر فيها للاندماج القسري مع جماعة أو فصيلة من الأقران وغير الأقران ممن لا عهد له بمعرفتهم، ولا تربطه بهم قرابة أو صلة سابقة، وفيهم الكثيرون ممن لا يروقه منظرهم، بل قد يكون من بينهم من الأطفال المشاكسين من يحدجه بنظراته، وربما يستفزه أيضا ويتوعده بنوع من الإشارات والحركات، على غير ذنب سلف منه إليه، أو هكذا يخيل إليه، وقد يكفهر الجو في وجهه فجأة حين يتحفز المؤدب وينتصب في جلسته المعتادة ممسكا بعصاه الطويلة التي يقرع بها ألواح الصبية ويصيب بها بعض الرؤوس أحيان، ثم لا يفتأ يزجر هذا ويتوعد ذاك وينذر باقتراب موعد عرض الألواح وكل هذا أما أعين الوافد الجديد، ثم يتكرر المشهد اليوم وغدا وبعده، والمعاناة تطول ويمتد أثرها إليه، ويعمل الزمن عمله وتنشأ الألفة، ويأخذ الاندماج في جو الكتاب طريقه إلى نفسه" (2) . وتختلف طقوس استقبال الصبيان في الكتاب بين منطقة وأخرى، حيث يذكر الأستاذ حميتو نقلا عن تقييد للعلامة الهسكوري بعض تقاليد التحاق الصبيان بالكتاب بمنطقة آسفي، حيث كان "سكان آسفي إذا بلغ الولد خمس سنين وخمسة أشهر وخمسة أيام ، يشترون له جلبابا وسلهاما مثله كذلك، ويملأون طبلة بالعسل الجيد وأخرى بالحليب، وآنية بالتمر الحسن ومعها قالبان من السكر وربع كيلو من الأتاي الجيد والنعناع. وينظرون خادما ليحمل ذلك إلى الكتاب القرآني وخادما آخر يحمل الصبي ووجهه مغطى بقب الجلباب، وعندما يقف أمام الفقيه يزيلون الغطاء عن وجهه رجاء من الله أنه لا يرى إلا الكتاب والمعلم في مستقبله وكذلك لوحا يصحبه معه" (3)
وقد كان بعض المؤدبين أو المدررين (4) يعمدون إلى شراء بعض الحلويات والفواكه الجافة مثل التمر والتين المجفف والزبيب من الأسواق الأسبوعية وحملها معهم في 'قب' الجلباب ليغروا الأطفال الصغار بالحضور والصبر على الجلوس في المسيد لفترة طويلة (5)، فكانوا كلما أحسوا بدبيب الملل في نفس الطفل يرمون إليه بين الفينة والأخرى بقطعة حلوى أو حبة تمر أو تين أو بعض حبات الزبيب الحلو ليشجعوه على المكوث، وفي بعض الأحايين الأخرى يقومون بإجلاسه بجانبهم وتمكينه من العصا ليشعر الطفل بالأمان وبأنه صاحب الكتاب والرئيس فيه، وأحيانا يأمره المؤدب أو المدرر بضرب بعض الصبيان المتغافيلن أو الكسالى فيتشجع الصبي ويشعر بالفوقية والنفوذ، ويكون هذا الشعور مدعاة للافتخار به أمام والديه وإخوانه، وفي هذه الفترة أيضا تتوطد أواصر العلاقة بينه وبين زملائه الصغار ويبدأ في اكتساب صداقات جديدة تساعده على الاندماج السريع في جو الكتاب، ولا تختلف المعاملة في هذا الطور بين الذكور والإناث، وإذا كان بعض المدررين يولون أهمية أكثر للإناث وذلك لقلة تمثيليتهن في المسيد وصعوبة إدماجهن في جوه، فإننا نجد بعضهم يفعل ما في وسعه بتنفير الإناث من الكتاب متأثرا بأفكار وأعراف قبلية بائدة تمنع لحد التحريم تعليم البنات.

02: تعلم الحروف الهجائية.
تبدأ مرحلة تعلم الحروف الهجائية بعد مرحلة الاستئناس التي تستمر لشهرين أو ثلاثة وأحيانا أربعة تبعا لدرجة مواظبة الصبي على الحضور، ومدى استعداده للاندماج في جو المسيد، وتسبق مرحلة الحروف الهجائية مرحلة تعلم الأعداد داخل البيت، فإذا أتقن الصبي عملية العد حتى عشرة، يمر مباشرة إلى تعلم الحروف الهجائية حسب الترتيب الألفبائي : أ – ب – ت – ث – ج – ح – خ – د – ذ – ر – ز – س – ش – ص – ض – ط – ظ – ع – غ – ف – ق – ك - ل – م – ن- ه – و – ي. ويضيف له المدرر حرف 'لا' باعتباره حرفا مستقلا عن بقية الحروف (6)، وتستمر هده العملية حوالي شهرا تقريبا يحفظ فيه الصبي أربعة حروف كل يومين فإذا تمكن من ذلك، مر إلى مرحلة التفريق بينها عبر النقط فيردد بعد المدرر هذه العبارات: الليف ما ينقط (7)، البا وحدة من التحت، التا جوج من الفوق، الثا ثلاثة من الفوق، الجيم وحدة من التحت، الحا ما تنقط..... حتى يصل إلى اللام ألف 'لا'، ثم يقول في نهاية هذا الفعل: وبالله التوفيق، والتوفيق بيد الله، علمنا يا الله، لفقيه في الجنة وحنا موراه، غدا إن شاء الله.
بعد هذه العملية يمر المدرر إلى تعليم الصبي مواقع الحروف وكيفية رسمها وكتابتها في أول الكلمة وفي الوسط والنهاية دون أن يغفل الحركات من فتح وضم وجر وسكون وشدة ووصل وغيرها، ويكون هذا التعليم مرفوقا بتدريب شفهي يساعد الصبي على التعلم بطريقة سريعة وفعالة.
وبعد أن يضبط الصبي كل هذه الأمور يتحول المدرر معه إلى مرحلة التدريب على الكتابة عبر التحنيش (8) فيرسم المعلم شكل الحرف بواسطة مؤخرة القلم الذي "يترك أثرحفريا على الطبقة الشحمية التي يخلفها الصلصال على اللوح بعد محوه، فيأتي التلميذ متقدم يعينه الفقيه ليأخذ بيد التلميذ المبتدئ، ويمران بقلم واحد على ذلك الأثر حتى يستأنس على الكتابة بنفسه دون الاعتماد على الغير" . وقد كان الآباء يفرحون غاية الفرح بأبنائهم وهم يرونهم قد أتقنوا رسم الحروف وضبطها، يروي المقري في نفح الطيب عن رجل يفتخر بابنه بعد أن ضبط رسم الحروف:
هاك يا مــــــــــولاي مطه في اللوح مطـا
ابن سبع في سنيه لم يطق للوح ضبطا
دمت يا مولاي حتى يلد ابن ابنك سبطا (9).
ــــــــــــــــ
(1) انظر كتاب جامع جوامع الاختصار والتبيان فيما يعرض بين المعلمين وآباء الصبيان، للإمام إبي العباس أحمد شقرون المغراوي تحقيق الصفحة 85، د. عبد الهادي التازي، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج الطبعة الأولى 1986م.
(2) حياة الكتاب وأدبيات المحضرة، صور من عناية المغاربة بالكتاتيب والمدارس القرآنية، د. عبد الهادي حميتو، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2006م. الجزء الثاني ص 554.
(3) المرجع نفسه الجزء الثاني، ص 567.
(4) المدرر مصطلح يطلق على كل من ينبري لتحفيظ القرآن الكريم في الكتاب أو 'المسيد' سواء كان إمام مسجد أو غيره، وقد أصبحت عملية التدرير خاضعة لوصاية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية منذ سنة 2006م، ويعتبر الحصول على رخصة التدرير أمرا ضروريا لممارستها.
(5) يذكر الأستاذ عبد الهادي حميتو بعض ما يشبه هذه العادات لدى مغاربة الأندلس فيقول أن "السيد الفقيه يكتب في اللوح شيئا ويدهنه بالعسل ويلعقه الصبي، ويعطيه تمرة أو تمرتين من التمر وشيئا من الحليب" انظر حياة الكتاب وأدبيات المحضرة الجزء الثاني ص 568.
(6) تجدر الإشارة إلى أن ترتيب الحروف عند عموم المغاربة والأندلسيين يختلف عن ترتيبها عند أهل المشرق، حيث يتفق الترتيبان في الحروف الأحد عشر الأولى أي إلى حرف الزاي، وبعده يأتي حرف السين عند المارقة أما المغاربة فيضعون بعده حرف الطاء ثم تتابع الحروف على هذا النمط: ظ – ك – ل – م – ن – ص – ض – ع – غ – ف – ق – س – ش – ه – و - ي ثم يدرجون حرف لام ألف 'لا' بين الواو والياء. انظر حياة الكتاب، الجزء الثاني ص: 585-586.
(7) الليف هو الألف، ما ينقط معناه أنه لا يحتمل النقط.
(8) التحنيش نسبة إلى أثر الحنش أي الحية، وهي عملية رسم الأحرف بعقب القلم فوق اللوح ليسهل على التلميذ تتبعها وكتابتها بكل يسر وإتقان.
(9) نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب لأبي العباس أحمد المقري التلمساني، طبع دار الرشاد الحديثة، الطبعة الأولى 1986م. الجزء الخامس ص 123.

توقيع: أحمد لزعر التسولي

الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg