تعديل

mardi 13 novembre 2018

أدبيات الكتاب ( المسيد) ومكانته لدى آل تسول 02

قراءة في التراث الشفهي لإقليم تازة: قبيلة التسول نموذجا. الجزء الحادي والعشرون

03 : مرحلة الفاتحة وقصار السور.
أول ما يكتبه المدرر للطفل المبتدئ بعد تعلم الحروف الهجائية وضبط كتابتها جملة البسملة مع الصلاة والسلام على رسول الله، ثم يطلب المعلم من الطفل تكرار هذه الجملة كلمة كلمة حتى يلقنها ويحفظها جيدا مع التمييز بين مفرداتها، ثم يمر الصبي لمرحلة حفظ السور القصار: يقرأ المعلم الآية والآيتين فيرددها الطفل حتى يحفظها، وتكون فاتحة الكتاب أول سورة يحفظها الصبي حفظت متقنا ولا سبيل إلى التسامح فيها أو الخطأ في تكرار آياتها لأنها أم الكتاب وهي السبع المثاني والتي لا تقبل صلاة المؤمن إلا بها، ثم بعد ذلك ينتقل المعلم بالصبي إلى حفظ سورة الإخلاص ثم المعوذتين لفضل هذه السور ومكانتها في قلوب المسلمين، ثم يتدرج به صعودا حتى يختم يصل لسورة الأعلى وهو آخر حزب في القرآن الكريم حسب الترتيب المصحفي، وبعد ذلك ينتقل إلى حزب 'عم' ثم ينزل معه حتى يصل سورة الأعلى وتتكرر هذه العملية صعودا حتى يصل سورة الرحمان، وفي كل حزب تضاف أسطر جديدة للوح المكتوب، فلا يكاد التلميذ يصل سورة الرحمان حتى يكون قد قارب من حفظ ثمن الحزب في كل محية .
ويعتبر الوصول لسورة الرحمان مؤشر على قدرة الطفل على الحفظ بالثمن وبذلك ينتقل إلى المرحلة الموالية.


04 : مرحلة الثمن، التكرير، الضبط القراني.

I- مرحلة الثمن.

هذه هي أهم مرحلة في عملية حفظ القرآن الكريم حيث ينتقل الطفل إلى مستوى رفيع في الجد والكد، كما كانت تعتبر مصدر فخر عند الحفظة فيقول بعضهم لبعض "أنا كانحفظ بالثمن أما نتا فباقي كاتحفظ بالفتيا" والفتيا هي كلمات قليلة تكتب للمبتدئين كما أسلفنا، ومعلوم أن الحزب يتكون من ثمانية أثمان لكل واحد منها كلمة مفتاح يحرص المتعلمون على ضبطها وترسيخها في أذهانهم ويشكل هذا الضبط مصدر فخر أيضا، فكلما أتقن الطفل مفاتيح الأثمان كلما زادت محبته في قلب المحفظ وارتفع شأنه بين زملائه، وفي هذه المرحلة أيضا يتجاوز المتعلم مرحلة الحفظ بالسور لينتقل إلى طور الحفظ بالأحزاب، فلا مجال هنا للسؤال عن اسم السورة بل بعضهم لا يستطيع معرفتها إلا بوضعها داخل الحزب، وأحيانا حين تسأل أحدهم هن موقع آية ما أو آيتين يجيبك بأنه لا يعرف السورة ولكنه يعرف الحزب الموجودة فيه فيقول مثلا: 'هي في حزب قال أم أقل' أو في حزب 'قد أفلح' دون تحديد اسم السورة بالضبط. وكما للأثمان مفاتيح توجد للأحزاب مفاتيح أيضا وهي الكلمة الأولى منه، علما بأن هذه الأحزاب ليست أمرا توقيفيا، وإنما هي مجرد اجتهادات من بعض القراء، ولذلك تجد اختلافا في بدايات بعضها بين مصحف قراءة ورش المعتمدة في المغرب، ومصحف قراءة حفص المعتمدة عند أهل المشرق.
عند وصول الطالب لسورة الكهف يكون قد حفظ نصف القرآن الكريم ويطلق على هذه المرحلة اسم 'البقرة الصغيرة' ولذلك يتوجب على أهل الطالب أن يصنعوا وليمة للفقيه ولأهل الدوار وغالبا ما تكون عبارة عن ديكين بلديين وبعض اللحم احتفاءا بالطالب ومكافأة له على اجتهاده، وهو حدث ينقل صاحبنا من الكتابة بالثمن إلى الكتابة بالربع ليختصر الوقت ويسرع الحفظ إل أن يصل إلى سورة البقرة أو ما يسمى ب'البقرة الكبيرة' وعند بلوغ هذه السورة والتمكن من حفظها يكون لزاما على أهل الطالب ذبح كبش أو عجل حسب الاستطاعة ـــ وإن كان العجل أفضل ـــ وتحضير وليمة كبيرة يكون فيها التلميذ هو السلطان الذي يحضى بالاحترام وتنهال عليه عبارات المدح والتقدير.
بعد ختم القرآن بطريقة عكسية يعود التلميذ لحفظه ثانية بالطريقة المعروفة في ترتيب المصحف مع الاستعانة بنظام التكرير في الحفظ.


II- مرحلة التكرير.

وتسمى أيضا مرحلة "الأسوار" جمع سورة، وتستعمل هذه الكلمة أيضا على سبيل الكناية عن تمكن الشخص من مهنته فيقال في المثل: 'فلان حافظ سواريه' أي ضابط متمكن ولا سبيل إلى تخطيئه أو الاعتراض عليه، وتقتضي هذه المرحلة تكرير ما سبق حفظه سورة سورة وحزبا حزبا، ولقراءة الأسوار أهمية بالغة في التعليم في جميع مراحله، فهي المعيار الأول والأبرز الذي يقيس به المدرر قدرته على تحفيظ الطلبة في أقصر فترة ممكنة، وهم بهذا الفعل يتمكنون من استحضار محفوظهم بشكل دائم مع ترسيخه في الذاكرة، أما الطريقة المعروفة والشائعة لهذه العملية فتتلخص في أن يفتتح بصوت مرتفع أكثر الطلبة حفظا من آخر محفوظ له حتى إذا وصل إلى مكان من يليه اندمج معه صاحبه في القراءة وهكذا دواليك، فكلما وصل القارئون مكانا بلغ إليه أحد الطلبة إلا واندمج معهم حتى يصلون إلى نهاية المصحف مع أصغرهم سنا، كل ذلك والإمام يستمع لهم بكل حرص ويستطيع معرفة المخطئ منهم فيرده إلى جادة الصواب في قدرة عجيبة على التمييز والتذكر تكتسب بتوالي سنين الخبرة والتجربة، وهناك طريقة أخرى في حالة قلة عدد الطلبة يعمد فيها الطالب إلى الجلوس أمام الفقيه في سكون تام ووقار ثم يشرع في قراءة وتكرير ما حفظه والإمام يتابع معه لفظة لفظة ثم يتدخل بالتصحيح ساعة الغفلة منبها الجالس أمامه بقرع أم رأسه بعصا تعيد للطالب تركيزه ويقظته، ومن الأمور التي تثير الاستغراب حقا أن بعض الأئمة يستطيعون تتبع محفوظ الطالب وهم يتبادلون أطراف الحديث مع بعض سكان الدوار الذين يعتبر الحضور إلى المسجد عادة يومية عندهم، وحين يظن الطالب أن معلمه قد انشغل عنه، يعمد إلى تجاوز سورة كاملة أو ربع حزب كي ينهي تكريره ويستريح من هذا العذاب، لكن عصا الإمام ترده إلى مكانه بالضبط وينخرط معه الفقيه في القراءة لفترة قصيرة ثم يسكت ويميل جهة أصحابه ليندمج معهم بلسانه في الحديث لكن عقله وأذنه يظلان معلقان بصوت الطالب، "وللطلبة في تعيين أوقات مخصوصة للأسوار أساليب مختلفة، وذلك بحسب الزمان المتاح لهم وللمتعلمين، وأغلبهم يخصص فترات من الصباح لذلك بعد محو الأواح، ومن المساء بعد العصر إلى مغرب الشمس، ومعظم الطلبة يحرصون على الأسوار ما بين العشاءين" بعد قراءة الحزب الراتب وذلك بعد أن يصفو الجو ويهدأ المكان لأن لليل سحره الخاص الذي يساعد على التذكر إضافة إلى أن الإمام يكون حاضرا فيه حضورا تاما لعدم وجود من يشغله. ولا يمكن أن نغفل في هذا المقام أثر قراءة الحزب الراتب (وهي عادة مغربية أصيلة لا توجد في المشرق) بعد صلاتي المغرب والصبح في تثبيت المحفوظ وترسيخه عند الطلبة خاصة وعند عموم المصلين عامة، وكم من رائد مسجد عادي حفظ القرآن كاملا عن طريق هذه العادة بعد أن واضب عليها سنوات طويلة.


III- مرحلة الضبط القرآني.

وهي المرحلة الأخيرة قبل التخرج من الكتاب وتنقسم إلى عدة عناصر نختصرها فيما يلي:
أ ــــ مرحلة معرفة بعض الرموز كرمز التمن والربع والحزب، ثم علامات السجدات فيكتب الطالب ثلاث نقط في مواضع السجدات المشهورة في مذهب الإمام مالك، وهي أحد عشر موضعا، وينتقل إلى معرفة مكان السكتات والوقف والمد وغيرها من علامات الضبط.
ب ــــ مرحلة ضبط الكتابة كأن يترك الطالب نقط حروف الياء والنون والفاء والقاف مثلا إذا كانت في آخر الكلمة مثل: الحي وكيف والحق ومن وما شابهها.
ت ـــ تعلم الأنصاص القرآنية وهي مرحلة مهمة جدا، ويقول الفقهاء في المثل "القرآن بلا نصاص، بحال الكابوس بلا رصاص"، والأنصاص القرآنية تراث علمي وتربوي يجسد كفاءة وقدرة القراء المغاربة وجهودهم في خدمة القرآن الكريم والعناية بالوسائل العلمية والتربوية المعينة على تلقينه وإتقان علومه، وذلك من خلال إعداد منظومات مركزة تتضمن أهم القواعد المؤطرة لتعليم القرآن الكريم بمختلف مكوناته، وقد ألف بعض العلماء كتبا بحيالها في التعريف بهذه المادة المهمة في حياة الطلاب وجمعها من صدور الرجال ونذكر كتابين للدكتور عبد العزيز العيادي لعروسي أولهما كتاب الأنصاص القرآنية، وثانيهما كتاب: الكناوية في ثبت وحذف الألف في القرآن الكريم برواية ورش. وننقل من كتابه الأول تعريفا أكثر دقة لهذه المادة إذ يعرفها بقوله: "الأنصاص مصطلح متداول بين أرباب القراءات في المغرب للتعبير عن مجموعة من القواعد التي تؤطر الكلمات الخارجة عن القياس في رسمها أو ضبطها أو في كيفية أدائها. كما تؤطر هذه الأنصاص الكلمات المتشابهة في التقديم والتأخير والحذف والإضافة مع التنصيص على أماكن وجودها في القرآن الكريم إما بواسطة السور أو بواسطة الأحزاب والأرباع والأثمان .
والأنصاص كلمة مغربية صرفة ، نجدها في كثير من الاستعمالات اليويمة على شكل جمع أو مفرد ... والأنصاص جمع نص وهو من جموع القلة على وزن أفعال ... وهي عبارة عن قواعد منظومة في أراجيز مختصرة أو مطولة، ينظمها الفقهاء لتلامذتهم بطريقة عفوية وبلغة عامية أحياناً أو على شكل الشعر الملحون من أجل تقريب الكلمات التي تقع فيها الأخطاء عند كتابتها أو النطق بها من التلاميذ المتعلمين" . ولمزيد من الإيضاح نورد هنا بعض النماذج المعروفة في ضبط القرآن الكريم عن طريق الأنصاص:
نموذج كتابة أن لن مشتركة وبحذف النون من أن:
ألن من غير نون يا سلامه في الكهف مع القيامه
نموذج رسم 'في ما' بالفصل حيث رسمت بهذا الشكل في أحد عشر موضعا من القرءان الكريم ويبين النص مقدمة التالي مقدمة الأثمان التي رسمت فيها بهذه الطريقة وهو:
سألتني عن في ما بحجزهـــــــــــــــا فعددهم أي فيا رب سهــــــــــــــلا
تعزموا وكتبنا أجد ينظرون سبقت إن الذين جاؤوا يامن تـــــــــــــــلا
أتتركون ومن آياته فالحق أم اتخذوا قل إن الأولين مكمــــــــلا
والحجز هو الفصل بلغة الفقهاء وتفصيل ذلك أن هذه الكلمة وردة منفصلة في الأثمان التالية:
1- سورة البقرة: الحزب 4 : الثمن: ولا تعزموا عقدة النكاح، الموضع (فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف).
2- سورة المائدة: الحزب 12 الثمن: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس: الموضع (ولكن ليبلوكم في ما آتـاكم).
3- سورة الأنعـام: الحزب 15: الثمن: قل لا أجد: الموضع (قل لا أجد في ما أوحي إلي).
4- سورة الأنعـام: الحزب 15: الثمن: هل ينظرون: الموضع: (ليبلوكم في ما آتـاكم).
5- سورة الأنبياء: الحزب 33: الثمن: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى: الموضع: (وهم في ما اشتهت أنفسهم خـالدون).
6- سورة النور: الحزب 36: الثمن: إن الذين جاءوا بالإفك: الموضع (لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم ).
7- سورة الشعراء: الحزب 38: الثمن: أتتركون: الموضع (أتتركون في ما هـا هنا ءامنين ).
8- سورة الروم: الحزب 41: الثمن: ومن آياته منامكم باليل والنهار: الموضع (من شركاء في ما رزقنكم ).
9- سورة الزمر: الحزب 46: الموضع (إان الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون).
غير أن الثمن الموجود في النص لسورة ص (قال فالحق والحق أقول) وفيه تبتدأ سورة الزمر لذالك تم الترميز به.
10- سورة الزمر: الحزب 47: الثمن: أم اتخذوا: الموضع: (أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون).
وعلى المودة نلتقي.


توقيع: أحمد لزعر التسولي

الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg