تعديل

mercredi 4 juillet 2018

شذرات من حياتي 3



تحياتي أحبابي:
بعد وصولنا إلى مركز خميس سيدي عبد الجليل اخترنا مكانا ظليلا على الرصيف بين السوق الأسبوعي وأشجار الكالبتوس الفارعة، توسد بعضنا حقيبته واستسلم لنوم عميق لم يكن يكدر صفوه إلا مرور بعض الشاحنات والسيارات المهترئة التي تصدر أصواتا كأنها أبواق القيامة، وتنفث من الدخان ما هو كفيل بتلويث رئة سليمة في دقائق، بقينا على تلك الحال إلى ما بعد العصر، كل واحد منا غارق في تفكيره لا نكلم بعضنا إلا لماما، سرحت بذهني في هذا الوضع وهاته الحال التي كنت فيها، وبدأت أخمن كيف سيكون يوم الغد، هل سيحمل لنا جديدا أم سيكون كسابقه. مع اقتراب غروب الشمس وشروع التجار في وضع القياطين على أرضية السوق، أقبل علينا عمي بوجمعة وطلب منا مبلغ عشرة دراهم للفرد، خمسة منها لتحضير وجبة العشاء، وخمسة لصاحب القيطون الذي سنبيت عنده، أدخل كل واحد منا يده في جيبه وأخرج المطلوب ومن لم يكن معه شيء اقترض من صاحبه. جمع المقدم المبلغ واتجه صوب صاحب قيطون يبدو أن له به معرفة سابقة، بعد نصف ساعة تقريبا عاد إلينا وطالبنا بالالتحاق بالقيطون قصد حجز أماكننا قبل أن يمتلئ بالرواد، ذهبنا مسرعين وكل واحد يأمل في أن يجد مكانا مستويا ليست فيه حجارة أو ما يكدر صفو ليلته، حجز كل واحد منا مكانه ووضع فيه حقيبته ليبعد عنه المتطفلين، وانخرط الجميع في تحضير وجبة العشاء التي كانت مكونة من بعض قطع الخضر المطبوخة ببعض الزيت والتوابل، تركت الرفقة وتوجهت إلى المقهى لمشاهدة مباراة نهاية عصبة الأبطال الأوروبية التي كانت تنقلها القناة الثانية آنذاك، وكانت هاته المباراة تجمع فريقي ريال مدريد الإسباني ويوفنتوس الإيطالي وهما الفريقان المفضلان لدي ، وإن كنت أميل أكثر لفريق يوفنتوس الذي كان متربعا على عرش الكرة الإيطالية والأوروبية في تلك الفترة، انتهت المقابلة بفوز ريال مدريد بهدف لصفر، وتوجهت إلى القيطون فوجدت الرفقة قد تناولوا عشاءهم، ومنهم من استغرق في نوم عميق في حين يستمتع بعضهم الآخر بنفث دخان سيجارة من النوع الرديء، أكلت ما فضل عنهم وغسلت الأواني وتوجهت إلى مكاني فوجدت رجلا كهلا قد أغار عليه واحتله، لم أرد أن أدخل معه في خلاف لكبر سنه، أخذت حقيبتي وبقيت أجول بناظري لعلي أجد مكانا شاغرا أستلقي فيه، كان القيطون شبه ممتلئ ولم أجد إلا حيزا ضيقا لم أنتبه إلى وجود ثقب واسع في القيطون فوقه، استلقيت فيه ووضعت قبعة فلاحية على وجهي ونمت، ما إن عسعس الليل واقترب الصبح أن يتنفس حتى وجدتني أرتجف من البرد وقد ابتلت وزرتي (الجاكيطة) _الرقيقة أصلا- بالندى، ولم أستطع التحكم في أسناني التي كانت تصطك بشدة يسمع صوتها بوضوح، لملمت نفسي وخرجت من القيطون متوجها صوب رجل يحضر فطور الصباح المبكر للزبائن من الفلاحين الذين يريدون بيع مواشيهم، طلبت كأسا من القهوة بالحليب وقطعة من خبز السميد (الحرشة) مع بيضتين مسلوقتين، أكلت كل ذلك ببطء شديد لعله يخفف عني وطأة البرد ويشعرني ببعض الدفء، للأسف لم ينفع كل ذلك فما كان مني إلا أن بدأت بالركض خارج السوق جيئة وذهابا، بقيت على هاته الحال لساعة ونصف تقريبا إلى أن اقترب موعد شروق الشمس، فتوجهت صوب القيطون ووجدت الرجال قد استفاقوا وأخذوا حقائبهم متوجهين صوب الموقف، أخذنا حيزا قرب سور السوق وتجمع الشمل للحديث والتشاور في مآل هذا اليوم، أما أنا فابتعدت عنهم وجلست في مكان مشمس أستمد منه بعض الحرارة، ويشهد الله أنني كنت أحس بأشعة الشمس تخترق الجلد واللحم لتصل للعظم، لأني أحسست بكمية من البرد سكنت عظامي في تلك الليلة لم أشعر بها من قبل ولا من بعد، بقيت على تلك الحال حتى الساعة العاشرة صباحا، بعدها بدأت أشعر ببعض الدفء يسري في عروقي، ولم تعد أسناني تصطك وعظامي ترتجف، جمعت قواي والتحقت بالزمرة فوجدت عمي بوجمعة يفاوض أحد الفلاحين الأمازيغ على السعر اليومي، بعد برهة اتفقا على مبلغ 60 درهما لليوم، طلب الرجل من عمي بوجمعة تعيين العشرة حصادين الذين سيرافقونه، أشار المقدم إلينا، بدأ الرجل في العد وتوجه بوجهه صوب عمي بوجمعة:
الفلاح: هاذو غير تسعود ألمقدم، ياك أنا قلت لك خاصني عشرة، خمسة يمشيو معي وخمسة يمشيو عند خويا. 
عمي بوجمعة: كا حسبتني حتى أنا كا لا؟ راحنا عشرة غي حسب مزيان.
عاود الفلاح العد مشيرا لكل واحد بيده إلى أن وصل إلي فتجاوزني ولم يدخلني في العد، اقترب مني عمي بوجمعة وقال له:
عمي بوجمعة: شفتك نسيث هذا، راه حتى هو معنا.
الفلاح: كيفاش؟ واش حتى الولد معكم؟
عمي بوجمعة: آه راه هذاك ولد خاي.
اقترب الفلاح مني وأمسك كفي ومرر عليه أصابعه وقال:
الفلاح: شوف ألمقدم أنا طلبت منك عشرة دالفلاحة، ماشي تلاميذ دالمدرسة، هذا يديه روطبين وما يصلحشاي يمشي معنا.
عمي بوجمعة ضاحكا: راك ما عارف والو ألحاج، شفتي هذا راه حسن منا كاملين، بلا ما تحقرو.
الفلاح: لا ألمقدم غي شوف لي شي واحد خور يخرج فبلاصتو الله يرضي عليك، هذا راه ما صالحش.
عمي بوجمعة: شوف ألحاج، هذاك راه ولد خاي وإيلا ما مشاشاي معنا حتى حنا ما ماشيينش.
وافق البقية على هذا الشرط ووضعوا الفلاح بين خيارين إما أن يقبل بي وإما أن يختار عشرة آخرين من الموقف، بقي الرجل متسمرا في مكانه وتوجه نحوي قائلا.
الفلاح: شوف أولدي، ماشي تمشي معنا غير على وجه هذ الفلاحة، أما نتا فباينة عليك ماشي ديال الخدمة دالزرع.
تبسمت في وجهه وشكرته رغم أنني كنت أحس في داخلي ببركان من الغيظ يكاد ينفجر في وجهه، لأنني لم أستسغ طريقته المهينة في التعامل معي، ولكن وجود عمي بوجمعة كان كافيا بأن يجعلني أكتم غضبي، لأننا تربينا على احترام الأعمام مهما حصل أو جرى بحضورهم.
جمعنا حقائبنا وغادرنا السوق متوجهين صوب المجهول وكلي لهفة إلى الغد من أجل أن أثبت لذلك الأبله أن المظاهر خداعة وأن الرجال لا توزن بالميزان ولا تكال بالقفزان.
أعتذر على الإطالة وموعدنا في بيت الرجل الذي سيهينني هناك مرة أخرى وإن كان وقع الإهانة أخف وطئا هاته المرة.
وعلى المودة نلتقي.
مع خالص الود ويانع الورد.


توقيع: أحمد لزعر التسولي

الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg