تعديل

mercredi 4 juillet 2018

تأثير الأمثال في المجتمع التسولي: دراسة اجتماعية 01



        تمثل الأمثال خلاصة تجربة حياة قائلها، وقد حظيت عبر التاريخ باهتمام خاص من لدن الباحثين والعلماء الذين اعتنوا بجمعها وشرحها وسرد أسباب نزولها ولا أريد أن أطيل في تشريح مثل هاته الأمور التي يعرفها ذوو الاختصاص من المهتمين بهذا الفن حتى لا أخرج على القصد وأحيد عن الوجهة، فهدفي في هاته السلسة هو أن أحاول مناقشة كيف أثرت مجموعة من الأمثال في البنية الاجتماعية للمجتمع التسولي الذي يمثل نموذجا مصغرا للمجتمع المغربي عموما، وسأبدأ بمثل سمعته لأول مرة من جدي تغمده الله برحمته وذلك في أواخر الثمانينات وقد كنت أساعده في غرس أشجار الزيتون، حيث كنت أتكفل بحفر الحفر وهو يتكفل بعملية الغرس وتثبيت الأشجار. قال لي رحمه الله وقد رآى ضيق المسافة الفاصلة بين حفرتين: أولدي، الشجرة قالث: بعد ختي عني وعبي غلثا مني. ومعناه أن الشجرة قالت: أبعد أختي عني وخذ غلتها مني، والظاهر أن مجال هذا المثل هو الميدان الفلاحي وهو يدعو إلى ترك مسافة كافية بين شجرة وأخرى لفسح المجال أمام تمدد الأغصان والجذور، ولكن مع مرور الزمن وتغير البنية الفكرية والاجتماعية للمجتمع التسولي، انتقل من مجاله المعتاد إلى ميدان الحياة العامة، وأصبحنا نسمعه يتردد في البيوت والغرف، فبعد أن كانت العائلات التسولية كيانات مترابطة لا رأي يعلو فوق رأي الجد أو الأب أو الأخ الأكبر، أصبحنا نرى نمو خلايا بيوت هنا وهناك، وكل من تزوج لا يقضي مع أهله مدة شهرين حتى يخرج ويسكن بعيدا عن والديه إما في الأحياء المهمشة للمدن الكبرى أو داخل الدوار نفسه، والغريب أنك تجده يترك زوجته وحدها ويسافر للمدينة من أجل أن يشتغل في حرفة من الحرف مع ما يسببه وجود امرأة لوحدها في البيت من مشاكل وما قد يرافقه من اتهامات، والمشكل الأكبر هو حين يترك الأوبوان وحدهما في بيت طويل عريض والذي يشكل عبئا كبيرا على الأم العجوز التي لا تستطيع القيام بواجبات تنظيفه والاعتناء به، فيتحول إلى أطلال مسكونة وتتحول أسقفه إلى مرتع للحشرات والزواحف، وأعرف شخصيا العديد من مثل هاته الحالات التي يعيش فيها العجوز وزوجته وحدهما (بعدما رفضا الهجرة) في بيوت هي أقرب للخرابات، كل هذا التفكك الأسري سببه حب الاستقلال بالذات والأنانية التي تغلغلت في نفوسنا عبر وسائل الإعلام وعبر تطبيق مثل: أبعد أختي عني.
 أنا لا أنفي هنا وجود عوامل أخرى تؤدي إلى الهجرة وحب الاستقلال كضعف البنية التحتية من طرق وغيرها وانعدام وسائل العيش الكريم من مستشفيات ومدارس ومعاهد وفرص الشغل ووو في البادية، ولكن هذا كله لا يفسر هاته النزعة الغريبة نحو الابتعاد عن البشر والنزوع نحو خلق عالم صغير لكل واحد منا، لأننا كنا نعيش في أسرة كبيرة قبل القرن الحالي حيث كانت الظروف أقسى وأسوأ مما هي عليه حاليا.
إن شيئا ما تغير فينا يا سادة، وما زلت أذكر حوارا لي مع أحد القضاة حيث اشتكى لي من كثرة قضايا النزاعات وكيف أصبح الناس لا يتحمل بعضهم بعضا، ويلجأون للقضاء على أتفه الأمور، فقلت له ضاحكا: أظن أن سبب ذلك هو في ضيق المجال الذي يسكنون فيه، فصغر حجم البيوت والحجرات انعكس بشكل كبير على نفسيتنا، وانتقل هذا الضيق المكاني إلى ضيق داخلي نستغل أصغر فرصة للتنفيس عنه ومحاولة إخراجه، فحين كنا نعيش في بيوت واسعة وأسرة كبيرة كنا نحس بالوسع في نفوسنا، وكنا مع ذلك نتعلم الصبر ونتقبل الاختلاف أيضا لأن كبر حجم الأسرة كان يحتم علينا تقبل الآراء الكثيرة، أما وقد ابتعدنا على بعضنا وانعزلنا في شقق هي أقرب للعلب، فقد أصبحنا لا نسمع إلا صوتنا ولا نرى إلا وجوهنا. تبسم القاضي وقال: هل تعلم أن الرسول الكريم قد أشار إلى ما ذكرت في حديث شريف حين قال عليه الصلاة والسلام: "مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ الْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ".  قلت: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بعد هذا الحديث كلام.

وعلى المودة نلتقي.
طبتم وطابت أوقاتكم بكل خير. 


توقيع: أحمد لزعر التسولي                       

  

الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg