تعديل

vendredi 18 janvier 2019

قراءة في التراث الشفهي لإقليم تازة: قبيلة التسول نموذجا. الجزء الثالث والشعرون. أهازيج نسائية تسولية




تحدثنا في أجزاء سابقة عن بعض الأهازيج التي كان يرددها رجال القبيلة ونساؤها في بعض المناسبات أو عند ممارسة بعض الأعمال، تخفيفا عليهم واستعانة بها على تحمل الشقاء والتعب، مثل عملية الحصاد أو قطف القطاني أو الدراس وغيرها، ونريد أن نتحدث في هذا الجزء عن نوع آخر من أنواع هاته الأهازيج غير معروفة كثيرا ولا يحفظها إلا الراسخون في التراث التسولي، وذلك لصعوبة حفظها من جهة، ولتوقيت إنشادها ومكانه من جهة أخرى، وأقصد بها أهازيج "ناااني" أو تلك الأهازيج التي كانت النساء ترددنها أثناء عملية طحن الحبوب أو القطاني بالرحى التقليدية، وهي عبارة عن أبيات مسجوعة يكثر فيها المط والمد المؤديان إلى تحريف الكلمة أحيانا بحيث يصعب على السامع تمييزها بدقة وبالتالي تصعب عملية حفظها، ومما يزيد في صعوبة رسوخها بالذهن أيضا أن هاته العملية (أقصد طحن الحبوب) غالبا ما تكون بعد صلاة الفجر أو بعد العصر وهما وقتان يكون البيت فارغا فيهما تقريبا، إضافة إلى أن بيت الرحى يكون في الأغلب بيتا صغيرا منعزلا لا يكاد يسمع صوت من بداخله.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا العمل غالبا ما كان ينجز من طرف النساء الكبيرات في السن ونادرا جدا ما نجد فتاة حدثة خلف الرحى اللهم إلا إذا كانت عروسا ليس لها من يعيينها، لأنه عمل مضن ومتعب لا تصبر عليه إلا الراسخات في التحمل، ولذلك كن يلجأن إلى إلهاء أنفسهن ورفع روحهن المعنوية بترديد مجموعة من الأبيات المرتجلة وتكييفها مع طول النفس الذي يتطلبه هذا العمل. وتختلف الأبيات التي تتردد حسب حال المرأة وإن كانت لا تخرج عن أربعة مواضيع رئيسية:
1- الحنين إلى الأهل: ويظهر جليا بوضوح في تلك الترانيم التي كانت ترددها بعض المتزوجات حديثا والتي كانت غالبا ما ترافقها الدموع والنحيب خصوصا إذا كان بيت الزوج أقل شأنا وأضعف حالا من بيت الأهل كقول إحداهن:

جا الدري وقلي خرج دغيا
هذا لحبيب خي جا يرgب عليا
وللأخ عند نساء التسول مكانة خاصة جدا، حيث يكون مصدر الفخر والتباهي خصوصا إذا كان له شأن معروف.
أو قول أخرى:
أبابا لحبيب ولاش رميتني فالنار
الراجل عندي واعر وتا حاجة ما فالدار
وتظهر في هذا البيت مدى قساوة المشهد وسوء الحال اللذان لم يخرجا البنت عن طور الأدب والاحترام الواجبين للأب، ورغم كونه هو السبب في هاته المعاناة إلا أنها تناديه بالحبيب، وهذا قمة التأدب والتوقير الواجبين للوالدين.
أما الأم فلا أحفظ ما يتعلق بذكرها هنا وذلك راجع في نظري إلى كونها مخلوق ضعيف مغلوب على أمره مثلها، إضافة إلى أن الأب والأخ هما السند الذي يمكن الاعتماد عليه في مواجهة الزوج وأمه في حالة وقوع الخصام ولذلك تكثر النساء من ذكرهما في ترانيمهن وكأنهن يحتمين بهما.

وتظهر لوعة الحنين والعتاب البسيط الموجه للأخ في قول إحدى النساء:
ألحبيب خيي وراني عايشة فالقهرة
إلى سكت نموت ويلا هدرت نبات برا (1)
فهاته المرأة تحيى حياة النكد والقهر مع زوجها الذي لا يرعى فيها إلا ولا ذمة، ويبدو من شكواها أن أخاها لا يزورها أصلا، أو يقصر في زيارتها ولذلك فهي تغلف وصف الحال بغلاف الشكوى وطلب الزيارة، للاطلاع على ما تعيشه من ضنك وشظف.
2- تصفية الحساب: غالبا ما اعتبرت عملية الطحن مجالا لتصفية الحسابات، والتعيير والطعن في المخالفين أو الأعداء، وتحكي لي جدتي رحمها الله كيف كانت هي وإحدى زوجة أخ زوجها (النوطة) تتناوشان بالكلام وتستغلان فرصة الاختلاء بالرحى لتعير إحداهن الأخرى وتقذفها بأبشع النعوت، لدرجة أنهما كانتا تلجآن للطحن رغم توفر الدقيق في البيت لا لشيء إلا لكي تنفثا المصدور. ومن الأبيات التي ما زالت عالقة بذاكرتي بهذا الخصوص قول جدتي رحمها الله:
هذ اللفعة ماجة داكلني
أيا ربي الحبيب دبعدها عني
أو قولها:
وشحال قبيحة هذ مو شطيطة 
بهذا اللسان داللفعة الgرطيطة
وتتنوع الأوصاف والنعوت والتشبيهات بين الأفاعي والعقارب والسموم وكل الشرور التي تخطر ولا تخطر على البال، إلا أن الغريب أن كل هذا العداء لم يكن ليصل إلى مرحلة التشابك أو السب والقذف في الشرف، وذلك لوجود الحارس الأمين الذي لا يسمح بمثل هاته التجاوزات وهي الحماة، إضافة إلى حسن التربية ودماثة الخلق التي كانت نساء القبيلة تتمتعن بهما.
3- الأذكار: وهو النوع الغالب على هاته الأهازيج ومعروف أن الأذكار والأمداح تكثر في مثل هاته الأعمال كنوع من التسلية، حيث إن ذكر الله يساعد على رفع المعنويات ويبث في الإنسان نوعا من الحماس والطاقة الخفية، ومما زلت أذكره قول جدتي رحمها الله:
ألحبيب ربي من عزك علي
خلقتلي محمد هو الشافع فيا
وقولها أيضا:
باسم الله خير الكلام دي قالو لساني
محمد يا بوعلام يا نور عياني
والأمداح كثيرة في هذا المجال ولا نريد الإطالة حتى لا نخرج عن القصد.
4- الغزل: وهو قليل نادر جدا وذلك راجع إلى طبيعة المرأة الحيية والخجولة بطبعها، إضافة إلى أن إظهار مشاعر الحب والمودة للزوج (وحتى الزوجة) كان (للأسف) من العيوب المذمومة التي تدل على الصفاقة وقلة الأدب وانعدام الحياء، ولذلك لم أستطع حفظ سوى بيت واحد قالته لي عمتي أنسأ الله في أجلها وهو قولها:
يا لحسن يا لغزال ومن زينك بقصة 
أنا عليك يا سيد الرجال حسدوني النسا
نكتفي بهذا القدر درءا للإطالة التي تجلب الملالة، وإلى موعد لاحق بإذن الله.
وعلى المودة نلتقي.
طبتم وطابت أوقاتكم بكل خير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يذكرني هذا البيت في وصف إحدى نساء الجاهلية زوجها في حديث أم زرع وهو حديث معروف رواه مسلم في صحيحه، تقول: زوجي العشنق، إن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق.


توقيع: أحود لزعر التسولي

الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg