تعديل

mardi 18 juin 2019

بنية البيت التسولي. التركيبة الهندسية 01



منذ أكثر من سنة وأنا أنوي الحديث عن بنية البيت التسولي وفي كل مرة يطرأ طارئ يشغلني عنه، ونحن حين نتحدث عن بنية البيت نتحدث عن بنية مجتمع كامل، إذ يعتبر البيت كيانا اجتماعيا يلخص في أجزائه حياة مجتمع وعاداته وأسلوب عيشه. ونود أن نتطرق في هذا الجزء الأول للبنية الهندسية حيث يعمد التسولي إلى اختيار مكان مناسب لإقامة بيته ويختلف المكان بين الجبال والسفوح، ففي الجبال غالبا ما يعمد التسولي إلى إقامة بيته في بقعة بعيدة شيئا ما عن الناس (لا تزيد عن 300 متر في الغالب) ومحاطة بالأشجار التي تشكل حاجزا طبيعيا وسياجا حول البيت، وذلك حتى يتسنى لحريمه الخروج منه والدخول إليه في راحة تامة دون إزعاج أو تلصص من الذكور، أما في السفوح فيختلف الأمر ونجد مجموعة من البيوت محتشدة في بقعة واحدة كنوع من الحماية الجماعية.
ويتكون البيت التسولي في مجمله من مجموعة من القطع التي يكمل بعضها بعضا ونذكر منها:
01- الغرفة وهي بناء مكون من طابقين أرضي وعلوي، يطلق على الجزء الأرضي "الروا" (1) وهو بناء مستطيل لا يتجاوز علوه المترين وعرضه المترين ونصف تقريبا، غالبا ما يخصص للجلوس العائلي، وأحيانا يتخذ مربطا للدواب فيسمى "المتحم" أو "المسحم" (2) حسب النطق، أما إذا اختير مربطا للبقر فيسمى "الداموس" (3) وقليل من الناس من يعرف هاته الفروق ويطلق اسم "الروا والداموس والمسحم" على المسمى نفسه وهذا خطأ بين. أما الجزء العلوي والمسمى الغرفة فيخصص غالبا للضيوف ويكون ارتفاع حيطانه بقدر ارتفاع الجزء السفلي إلا أن الغرفة تتميز بطريقة فريدة في السقف حيث يعمد البناؤون إلى رفع عرضيها على شكل مثلث متساوي الساقين يسمى "الغارب" (4) يتم رفعهما عن مستوى الطول بحولي متر ونصف على شكل حرف V بالمقلوب ويربط بين أعلى الغاربين عمود غليظ يسمى "السهم" (5) (بتسكين السين وفتح الهاء) يتجاوز قطره 30 سنتيمتر ويتكون غالبا من شجر الصفصاف وهو شجر معروف بطوله حيث ينمو في الأماكن الرطبة ليتجاوز العشرين مترا، ويتم إسناده في الوسط بواسطة خشبة على شكل حرف V المقلوب توضع طرفاها على سور الغرفة وتسمى "السماش" (6) وتتخذ غالبا من شجرة الخروب المعروفة بمتانة عيدانها ومقاومتها للزمن ولحشرة السوس، بعد هاته العملية يتم وضع أخشاب من مترين تقريبا تسمى "الحنية" (7) طرفها الأول على حافة السور والثاني على "السهم" يفصل بين كل واحدة منها ستون سنتيمتر تقريبا ثم توضع فوقها أغصان الشجر الرقيقة نوعا ما من صفصاف وخوخ الماء وخروب وزيتون أحيانا، وتشد إلى الحنية بخيوط "الصبايلو"، قبل أن يعمد "المعلم" (8) إلى وضع طبقة من الطين المبلل الممزوج بالتبن وتسمى هاته العملية ب"التغرية" (9) ثم يشرع في وضع طبقات من الأحجار الرقيقة السمك تسمى "المحايف" (10) كما يوضع القرميد تماما (لايتجاوز سمكها 3 سنتيمرات في الغالب) حيث يبدأ بوضع "محايف" كبيرة تسمى "شوارب" (11) يجعل نصفها على السور والنصف الثاني خارجه ثم يتدرج إلى المحايف المتوسطة فيضع نصفها فوق الشوارب ونصفها فوق الطين ثم تكرر العملية حتى يصل "المعلم" إلى "السهم" وينتقل بعدها إلى الجهة المقابلة ليضع كمية المحايف نفسها حتى لا ينقلب السهم وتسمى هاته العملية "الجلبة" (12) ثم يعود للجهة الأخرى وهكذا دواليك، وقد تستمر عملية التسقاف التي تنجز عبر "التوازة أو التويزة" ليومين حسب شطارة كل "معلم" وحجم الغرفة المراد تسقيفها وبعد أن ينتهي "المعلم" من وضع المحايف ولتغطية السهم وربط المحايف ببعضها ببعض يتم عجن الطين الأبيض مع التبن وتوضع منه طبقة سميكة يتجاوز قطرها 30 سنتيمتر تسمى "السلم" (13) (بتسكين جميع الحروف).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الروا: لعل أصل الكلمة مأخوذ من الرواء (بفتح الراء) وهو السقيا والشراب حيث غالبا ما كان يتخذ هذا البيت بحكم برودته مكانا لوضع قلل الماء خصوصا في الأوقات المخصصة للأكل.
(2) المسحم: بحثت عن أصل هاته الكلمة فوجدتها تعني في اللغة العربية المكان الأسود المظلم.
(3) الداموس: مأخوذ من الدمس (بجر الدال وتسكين الميم) والدمس هو خليط من التبن وروث البهائم يستعمل في الطبخ ويطلق عليها في لغتنا التسولية "الوgيد).
(4) الغارب: أعلى كل شيء، والغارب مقدم سنام الجمل.
(5) السهم: لعله مأخوذ من السهم المخصص للرماية بسبب شكله حيث يكون غليظا من الأسفل ورقيقا من الأعلى.
(6) السماش: صراحة لم أجد لهاته الكلمة تفسيرا مناسبا، وتجدر الإشارة إلى أنهم في الأماكن التي لا يوجد فيها شجر الخروب يتم تعويض السماش بخشبتين غليظتين يتم ربطهما من الأعلى بمسامير متينة يطلق عليه اسم المقص.
(7) الحنية: لعلها مأخوذة من الانحناء لأنها توضع بشكل مائل.
(8) المعلم: يطلق هذا اللقب في القبيلة على كل من يتقن حرفة بعينها: البناء، السقاف، الخياط، الحجام ......
(9) التغرية: أقرب معنى يفهم منها هو إلصاق شيئين بالغراء، والغراء هو مادة لزجة تستعمل في إلصاق شيئين ببعضهما، ويقوم الطين المبلل بالعملية نفسها تقريبا حيث يشكل رابطا بين المحايف وأغصان الأشجار.
(10) المحايف: الحيف الميل والجنب، وسميت بهذا الاسم لأهنا توضع بشكل مائل على حافة السور وعلى بعضها البعض.
(11) الشوارب: سميت بهذا الاسم تشبيها لها بشوارب الرجال حيث توضع بطريقة تشبه وضع الشوارب تماما، كما قد تعني الشراب إذ تكون هاته المحايف آخر مكان ينزل منه الماء البيت فكأنها تقوم بإشراب الأرض من الماء.
(12) الجلبة: هي عملية مناوبة بين جهتي الغرفة في التسقيف حفاظا على وضعية السهم، أما أصل الكلمة فلم أجد له تفسيرا مقبولا.
(13) السلم: أقرب معنى يحيل عليه هو السلامة حيث يشكل هذا الجزء اللحمة التي تجمع أعلى المحايف من الجهتين كما يعتبر غطاء واقيا للسهم من أن يصاب بالماء فيفسد عوده.
وإلى اللقاء في جزء قادم بحول الله.
وعلى المودة نلتقي.


توقيع : أحمد لزعر التسولي

الأراء المعبر عنها في التعليقات تمثل وجهة نظر صاحبها .ولا علاقة لها بالتوجهات العامة للموقع

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Facebook Digg